الاصل في هذا المقام التحريم لا الاباحة.
أقول : وهل الكلام الا في ثبوت هذا العموم ، وكونه مراداً من هذا الخبر المستفيض ، فان القوم لم يقولوا بثبوته وكونه مراداً منه ، ولذلك لم يحكموا بالتحريم على الاطلاق في موضع ثبت فيه تحقق الرضاع الشرعي المحرم ، فان الخبر لم يفد العموم ولم يدل على النشر مطلقاً ، بل أفاد التحريم المتعلق بخصوص المرتضع ونسله.
وحينئذ فلا تخصيص ولا استثناء حتى يحتاج الى اقامة دليل شرعي مخصص ومثبت ، لانهما فرعا العموم ولا عموم هنا كما مر لما مر ، والكلام في كون الاصل هنا التحريم ، وفي وجدان ما يتضمن في الشريعة خلاف الاباحة والبراءة و
الاستصحاب ، وفي كون مرجعها جميعاً واحداً هذا الكلام ، فانهم لم يقولوا بشيء من ذلك ، وخاصة بكون مرجع الثلاثة واحداً ، فان أصل براءة الذمة وكونها حجة مما لم يخالف فيه أحد كما سبق.
وأما الاباحة الاصلية والدليل على حجيتها أن تكليف الحكيم بالاجتناب وعدم البيان عند الحاجة شيء لا يجوز العقل نسبته اليه ، فما لم يظهر حرمة أمر بخصوصه أو باندراجه في وصف جعله الشارع علامة للحرمة فالظاهر فيه الحلية ، وهذا هو المراد بكون الاصل في الاشياء الاباحة. فللامامية (١) فيه ثلاثة أقوال ، فكيف يكون مرجعهما واحداً ، وأحدهما وفاقي والاخر خلافي.
فجماعة منهم المرتضى على أن الاشياء الغير الضرورية مما لا يدرك العقل قبحها كشم الورد غير محرمة عقلا ، اذ هي منافع بلا مفسدة والاذن في التصرف معلوم عقلا ، كالاستظلال بجدار الغير ، وبعضهم كالمفيد على التوقف ، وبعضهم على التحريم.
__________________
(١) هذا جزاء « أما » « منه ».