وكيف كان يكون هذا مبرأة لذمته عما فعل بالنسبة اليه في حياته من اخراجه عن البلد وافضاحه على رءوس الأشهاد ، على أن صحيح الخبر السابق ذكره ينافي هذا النقل ، اذ لو كان الأمر على ما نقل لما قال محمد بن يحيى : يا أبا جعفر وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله ، ولما قال هو في جوابه : لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين.
وعلى تقدير أن يكون سبب ابعاده ما قيل فيه من حيرته ، فاعادته اياه لا تدل على كذبه ، فلعله كان قد تاب ورجع عنها الى الحق ، ولكنه غير صالح للحكم بصحة رواياته على الإطلاق ، لان روايته زمن حيرته غير مقبولة بصحيح الخبر فإذا اشتبه الأمر وفقد التميز للجهل بالتاريخ لم يجز العمل برواياته ، لان الشك في وقت أدائها توجب الشك في صحتها ، والحديث المشكوك الصحة لا يوجب علماً ولا عملا.
ونعم ما أفاده الشيخ البهائي قدسسره في بعض فوائده ، من أن كثيراً من الرجال والرواة ينقل عنه أنه كان على خلاف المذهب ، ثم رجع وحسن ايمانه والقوم يجعلون روايته من الصحاح ، مع أنهم غير عالمين بأن أداء الرواية متى وقع منه أبعد التوبة أم قبلها.
وأنا أقول : أحمد بن محمد هذا كان على المذهب الحق في أوائل عمره ، ثم رجع عنه وتحير فيه في أواخره ، ولم يعلم أنه رجع عنه أو بقي عليه الى أوان موته ، فكيف يجعلون روايته وهم لا يعلمون بأن أداء الرواية متى وقع منه أبعد الحيرة أم قبلها من الصحاح؟ وروايته بعد حيرته كما فهم من صريح السؤال والجواب غير مقبولة.
قال الشهيد الثاني في دراية الحديث : من خلط بعد استقامته بخرق وهو الحمق وضعف العقل وفسق ، وغيرهما من القوادح ، يقبل ما روي عنه قبل الاختلاط