ودعوى كون صوت المرأة عورة ، ويحرم على الأجانب سماعه مردودة ، بما رواه الكليني في الكافي : أنّ اُمّ خالد دخلت على الإمام الصادق (ع) ، وكانت عاقلة عارفة ، وعنده أبو بصير. فقال (عليه السّلام) لأبي بصير : «أتحبّ أنْ تسمع كلامها؟» ، ثمّ أجلسها معه على الطنفسة ، وتكلّمت اُمّ خالد فإذا هي امرأة بليغة عاقلة (١) ، فلو كان سماع صوت المرأة محرماً على الأجانب ، لَما أجاز الإمام ذلك لأبي بصير.
على أنّ وصيّة الإمام الباقر (ع) بالمال للنوادب بمنى تفيد الجواز ؛ لأنّ سماع الرجال أصواتهن لا ينكر ، وإلا لأمر بالبكاء عليه في دور المدينة ومكّة ، بل النكتة الملحوظة للإمام (ع) لا تحصل إلا بسماع الرجال أصواتهن ، وما يدعونَّ إليه. وفي حديث حمّاد الكوفي ، أن الصادق (ع) قال له : «بلغني أن اُناساً من أهل الكوفة يأتون قبر أبي عبد الله (ع) في النصف من شعبان» ، فبيّن مَن يقرأ ويقص إلى أنْ قال : «ونساء يندبنه» ، قال حمّاد : قد شهدت بعض ما تصف ، فقال : «الحمد لله الذي جعل في شيعتنا مَن يفد إلينا ، ويمدحنا ويرثي لنا» (٢). ولا ينكر أن ندبة النّساء عند القبر يلزمها سماع الأجانب أصواتهن ، ولو كان محرماً ، لما استحسنه الإمام الحُجّة ، ودعا لهم بالرحمة.
وأمّا كون صوت المرأة عورة ، فلم تشهد به رواية. وما ورد من منع الرجال محادثة الأجنبية ، أو المبيت معها في بيت واحد ، فليس من جهة كون صوتها عورة ؛ بل للحذر عن الوقوع فيما لا يُحمد عقباه. وما ذكره العلامة الحلّي في كتابه التحرير ، أول النّكاح ، المسألة التاسعة : لا يجوز للأعمى سماع صوت الأجنبيّة ، فلعلّه لذلك ، لا لأنّه عورة. نعم ، صرَّح في كتابه التذكرة ، أول النكاح : إنّ صوتها عورة ، يحرم استماعه مع خوف الفتنة لا بدونه. وللشافعيّة قولان ، في كونه عورة أو لا. وردّ صاحب الجواهر على المحقق بالسيرة المتواترة في الأعصار ، فقد كانت النّساء تخاطب الأئمّة (عليهم السّلام) ، وخطبة الزهراء (عليها السّلام) وبناتها معلومة.
والفقه السنّي لم يمنع منه ، ففي الفقه على المذاهب الأربعة ١ / ١٦٧ ، صوت المرأة ليس بعورة ، لأنّ نساء النّبي (ص) كنّ يتكلّمن مع الصحابة
__________________
(١) الوسائل للحر العاملي ٣ ص ٢٥ باب ١٠٦ ، حكم سماع صوت الأجنبية ، وكذلك في روضة الكافي ـ الحديث ٣١٩.
(٢) كامل الزيارات ص ٣٢٥ باب ١٠٨ ، اول النوادر.