الرجال ، أمَرَ مَن معه في القصر أنْ يشرفوا على ظلال المسجد لينظروا هل كمنوا فيها ، فكانوا يدلون القناديل ، ويشعلون النّار في القصب ويدلونها بالحبال إلى أنْ تصل إلى صحن الجامع فلم يروا أحداً ، فأعلموا ابن زياد ، وأمَرَ مناديه أنْ ينادي في النّاس ؛ ليجتمعوا في المسجد ، ولمّا امتلأ المسجد بهم ، رقى المنبر وقال : إنّ ابن عقيل قد أتى ما قد علمتم من الخلاف والشقاق ، فبرأت الذمّة من رجل وَجدناه في داره ، ومن جاء به فله ديته ، فاتقواء الله عباد الله ، والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً.
ثمّ أمر صاحب شرطته ، الحصين بن تميم أنْ يفتّش الدور والسّكك ، وحذّره بالفتك به إنْ أفلت مسلم وخرج من الكوفة (١).
فوضع الحصين الحرس على أفواه السّكك ، وتتبّع الأشراف النّاهضين مع مسلم ، فقبض على عبد الأعلى بن يزيد الكلبي وعمارة بن صلخب الأزدي ، فحبسهما ثمّ قتلهما ، وحبس جماعة من الوجوه ؛ استيحاشاً منهم ، وفيهم الأصبغ بن نباته ، والحارث الأعور الهمداني (٢).
حبس المختار
وكان المختار عند خروج مسلم في قرية له تدعى (خطوانية) (٣) ، فجاء بمواليه يحمل راية خضراء ، ويحمل عبد الله بن الحارث راية حمراء ، وركّز المختار رايةً على باب عمرو بن حريث وقال : أردت أنْ أمنع عمراً (٤) ، ووضح لهما قتل مسلم وهاني واُشير عليهما بالدخول تحت راية الأمان عند عمرو بن حريث ففعلا وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما ابن عقيل ، فأمر ابن زياد بحبسهما بعد أنْ شتم المختار واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه (٥) ، وبقيا في السّجن إلى أنْ
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٠٩ و ٢١٠.
(٢) في طبقات ابن سعد ٦ ص ١٦٩ طبعة صادر : كانت وفاة الحارث الأعور بالكوفة أيام خلافة عبد الله بن الزبير وعامله عليها عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي ، فصلّى على جنازة الحارث بوصيّة منه.
(٣) أنساب الاشراف للبلاذري ٥ ص ٢١٤ ، وفي معجم البلدان ٣ ص ٤٤٩ : هي ناحية في بابل العراق.
(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٥.
(٥) في المعارف لابن قتيبة ص ٢٥٣ باب ذوي العاهات ، والمحبر لابن حبيب ص ٣٠٣ : ضرب عبيد الله بن زياد وجه المختار بالسوط فذهبت عينه.