الدور حوله فاجتمع إليه أربعة آلاف ينادون بشعار المسلمين يوم بدر : (يا منصور أمتْ).
ثمّ عقد لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال : سر أمامي على الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وقال : انزل في الرجال. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان. وعقد للعبّاس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة.
وأقبلوا نحو القصر فتحرّز ابن زياد فيه وغلق الأبواب ولَم يستطع المقاومة ؛ لأنّه لَم يكن معه إلاّ ثلاثون رجلاً من الشرطة وعشرون رجلاً من الأشراف ومواليه ، لكن نفاق الكوفة وما جبلوا عليه من الغدر لم يدع لهم علماً يخفق ، فلم يبقَ من الأربعة آلاف إلاّ ثلاثمئة (١).
وقد وصفهم الأحنف بن قيس بالمومسة تريد كلّ يوم بعلاً (٢).
ولمّا صاح مَن في القصر يا أهل الكوفة اتقوا لله ولا توردوا على أنفسكم خيول الشام ، فقد ذقتموهم وجرّبتموهم ، فتفرّق هؤلاء الثلثمئة حتّى أنّ الرجل يأتي ابنه وأخاه وابن عمّه فيقول له : انصرف ، والمرأة تأتي زوجها فتتعلق به حتّى يرجع (٣).
فصلّى مسلم (عليه السّلام) العشاء بالمسجد ومعه ثلاثون رجلاً ثمّ انصرف نحو كنده (٤) ومعه ثلاثة ولم يمض إلا قليلاً وإذا لم يشاهد مَن يدلّه على الطريق (٦) ، فنزل عن فرسه ومشى متلدداً في أزقّة الكوفة لا يدري إلى أين يتوجّه (٥).
ولمّا تفرق الناس عن مسلم وسكن لغطهم ولم يسمع ابن زياد أصوات
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٠٧.
(٢) أنساب الأشراف ٥ ص ٣٣٨ ، وفي الأغاني ١٧ ص ١٦٢ : وصفهم بذلك إبراهيم بن الأشتر لمصعب لمّا أراد أنْ يمدّه بأهل العراق.
(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٠٨.
(٤) الأخبار الطوال ص ٢٤٠.
(٥) شرح مقامات الحريري للشريشي ١ ص ١٩٢ آخر المقامة العاشرة.
(٦) اللهوف ص ٢٩.