قال هلال بن نافع كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً قطّ مضمّخاً بدمه أحسن منه وجهاً ولا أنور ، ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله. فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا ان يسقوه.
وقال له رجل : لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية فتشرب من حميمها. فقال (عليه السّلام) : «أنا أرد الحامية؟! وإنّما أرد على جدّي رسول الله وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي». فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ الله لَم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئاً (١).
فلو أنَّ أحمد قد رآك على الثرى |
|
لفرشنَ منه لجسمك الاحشاء |
أو بالطّفوف رأت ظماك سقتك من |
|
ماء المدامع اُمّك الزهراء |
يا ليت لا عذب الفرات لوارد |
|
وقلوب ابناء النبيِّ ظماء |
كم حرّة نهب العدى أبياتها |
|
وتقاسمت أحشاءها الأرزاء |
تعدو فان عادت عليها بالعدى |
|
عدو العوادي الجرد والأعداء |
هتفت تثير كفيلَها وكفيلُها |
|
قد ارمضته في الثرى الرمضاء (٢) |
الدعاء
ولمّا اشتدّ به الحال رفع طرفه إلى السّماء وقال : «اللهمّ متعال المكان عظيم الجبروت ، شديد المحال غني عن الخلائق ، عريض الكبرياء قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة صادق الوعد سابغ النعمة ، حسن البلاء قريب إذا دُعيت محيط بما خَلقت ، قابل التوبة لمَن تاب إليك ، قادر على ما أردت تدرك ما طلبت ، شكور إذا شُكرت ذكور إذا ذُكرت ، أدعوك محتاجاً وأرغب إليك فقيراً ، وأفزع إليك خائفاً وأبكي مكروباً ، واستعين بك ضعيفاً وأتوكّل عليك كافياً ، اللهمّ احكم بيننا وبين قومنا فإنّهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ، ونحن عترة نبيّك وولد حبيبك محمّد (ص) الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي ، فاجعل لنا من أمرنا فرَجاً ومخرجاً ، يا أرحم الراحمين» (٣).
__________________
(١) ابن نما ص ٣٩.
(٢) من قصيدة لحجة الإسلام الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء.
(٣) مصباح المتهجد والاقبال وعنهما في مزار البحار ص ١٠٧ ، باب زيارته يوم ولادته.