في قصر الإمارة (١)
لمّا رجع ابن زياد من معسكره بالنّخيلة ودخل قصر الإمارة (٢) ووضع أمامه الرأس المقدّس ، سالت الحيطان دماً (٣) وخرجت نار من بعض نواحي القصر وقصدت سرير ابن زياد (٤) فولّى هارباً منها ودخل بعض بيوت القصر فتكلّم الرأس الأزهر بصوت جهوري ـ سمعه ابن زيد وبعض مَن حضر ـ :
«إلى أين تهرب فإنْ لَم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك» ، ولَم يسكت حتّى ذهبت النّار. واُدهش مَن في القصر لهذا الحادث الذي لَم يشاهد مثله (٥) ولَم يرتدع ابن زياد لهذا الحادث بل أذِن للنّاس إذناً عامّاً ، وأمر بإدخال السّبايا مجلسه ، فاُدخلت عليه حرم رسول الله بحالة تقشعّر لها الجلود (٦).
أبرزت حاسرة لكن على |
|
حالة لَم تبقَ للجلد اصطبارا |
لا خمار يستر الوجه وهل |
|
لكريمات الهدى أبقَوا خمارا |
لا من ألبسها من نوره |
|
أزراً مذ سلبوا عنها الازارا |
لم تُدع يا شلّتِ الأيدي لها |
|
من حجاب فيه عنهم تتوارى (٧) |
ووضع رأس الحسين (عليه السّلام) بين يدَيه ، وجعل ينكت بالقضيب ثناياه
__________________
(١) في كتاب صفّين لنصر بن مزاحم ص ٨ ، طبعة مصر : لمّا دخل علي (ع) الكوفة ، قيل : أي القصرين ننزلك؟ قال : «قصر الخبال لا تنزلونيه». فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي. والخبال كما في الفائق للزمخشري والنّهاية لابن الأثير ومقاييس اللغة لابن فارس : مادة (خبل) ، الخبل : الفساد ، وحراقة صديد أهل النّار ، والمراد هنا منزل أهل الجَور والفساد.
(٢) في لطائف المعارف للثعالبي ص ١٤٢ ، الباب التاسع : روى عبد الملك بن عمير اللخمي قال : رأيت في قصر الإمارة رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عند عبيد الله بن زياد على ترس ، ورأيت رأس عبيد الله بن زياد عند المختار على ترس ، ورأيت رأس المختار عند مصعب بن الزبير على ترس ، ورأيت رأس مصعب بين يدَي عبد الملك بن مروان على ترس ، ولمّا حدّثت بذلك عبد الملك تطيّر منه وفارق مكانه. ورواه السّيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٣٩ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ١٤٨ ، طبعة ايران.
(٣) تاريخ ابن عساكر ٤ ص ٣٣٩ ، والصواعق المحرقة ص ١١٦ ، وذخائر العقبى ص ١٤٥ ، وابن طاووس في الملاحم ص ١٢٨ الطبعة الاُولى.
(٤) كامل ابن الأثير ٤ ص ١٠٣ ، ومجمع الزوائد لابن حجر ٩ ص ١٩٦ ، والمقتل للخوارزمي ٢ ص ٨٧ ، والمنتخب للطريحي ص ٣٣٩ ، المطبعة الحيدريّة ، والبداية لابن كثير ٨ ص ٢٨٦.
(٥) شرح قصيدة أبي فراس ص ١٤٩.
(٦) أخبار الدول ١ ص ٨ ، لأبي العبّاس أحمد بن يوسف بن أحمد القرماني.
(٧) من قصيدة للسيّد عبد المطّلب الحلّي ذكرت في شعراء الحلّة ٣ ص ٢١٨.