النّصف من شعبان ، فبين قارئ يقرأ وقاصًّ يقصّ ونادب يندب ، ونساء يندبنه ، وقائل يقول المراثي!
فقال حمّاد : قد شهدت بعض ما تصف.
قال (عليه السّلام) : «الحمد لله الذي جعل في النّاس مَن يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عدوّنا مَن يطعن عليهم ويهدّدونهم ويقبّح ما يصنعون» (١).
ثوى اليوم احماها عن الضّيم جانباً |
|
واصدقها عند الحفيظة مخبرا |
واطعمها للوحش من جثث العدى |
|
واخضبها للطير ظفرا ومنسرا |
قضى بعد ما ردّ السّيوف على القنا |
|
ومرهفه فيها وفي الموت اثَّرا |
ومات كريم العهد عند شبا القنا |
|
يواريه منها ما عليه تكسّرا |
فإنْ يمس مُغبرّ الجبين فطالما |
|
ضحى الحرب في وجه الكتيبة غبَّرا |
وإن يقض ظمآناً تفطّر قلبه |
|
فقد راع قلب الموت حتّى تفطَّرا |
وألقحها شعواء تشقى بها العدى |
|
ولود المنايا ترضع الحتف ممقّرا |
فظاهر فيها بين درعين نثرة |
|
وصبر ودرع الصبر اقواهما عرى |
سطا وهو أحمى مَن يصون كريمة |
|
وأشجع مَن يقتاد للحرب عسكرا |
فرافده في حرمة الضرب مرهف |
|
على قلّة الأنصار فيه تكثّرا |
تعثَّر حتّى مات في إلهام حدّه |
|
وقائمه في كفّه ما تعثَّرا |
كأنّ أخاه السّيف اُعطي صبره |
|
فلم يبرح الهيجاء حتّى تكسَّرا |
له الله مفطوراً من الصّبر قلبُه |
|
ولَو كان من صمّ الصفا لتفطَّرا |
ومنعطف أهوى لتقبيل طفله |
|
فقبّل منه قلبه السّهم منحرا |
لقد ولدا في ساعةٍ هو والردى |
|
ومن قبله في نحره السّهم كبَّرا |
وفي السَّبى ممّا يصطفي الخدّ نسوة |
|
يعزّ على فتيانها أن تسيَّرا |
حمت خدرها تقضي وودّت بنومها |
|
تردّ عليها جفنها لا على الكرى |
مشى الدهر يوم الطّف أعمى فلَم يدع |
|
عماداً لها إلاّ وفيه تعثّرا |
وجشّمها المسرى ببيداء فقرة |
|
ولَم تدرِ قبل الطّف ما البيد والسرّى |
ولَم ترَ حتّى عينها ظلّ شخصها |
|
إلى أنْ بدت في الغاضريّة حسرّا (٢) |
__________________
(١) كامل الزيارات ص ٣٢٥ ، وعنه في مزار البحار ص ١٢٤.
(٢) للسيّد حيدر الحلّي (نوّر الله ضريحه).