الأمان
وصاح الشمر بأعلى صوته : أين بنو اُختنا (١)؟ أين العبّاس وإخوته؟ ، فأعرضوا عنه ، فقال الحسين : «أجيبوه ولَو كان فاسقاً» ، قالوا : ما شأنك وما تريد؟ قال : يا بني اُختي أنتم آمنون ، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين ، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد. فقال العبّاس : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له (٢) ، وتأمرنا أنْ ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء (٣).
أيظنّ هذا الجلف الجافي أن يستهوي رجل الغيرة والحميّة إلى الخسف والهوان ، فيستبدل أبو الفضل الظلمة بالنور ، ويدع عَلَم النبوّة وينضوي إلى راية ابن ميسون؟! كلاّ.
ولمّا رجع العبّاس ، قام إليه زهير بن القين وقال : اُحدّثك بحديث وعيته؟ قال : بلى ، فقال : لمّا أراد أبوك أن يتزوّج ، طلب من أخيه عقيل ـ وكان عارفاً بأنساب العرب ـ أنْ يختار له امرأةً ولدتها الفحولة من العرب ؛ ليتزوّجها فتلد غلاماً شجاعاً ينصر الحسين بكربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية أخواتك.
فقال العبّاس : أتشجّعني يا زهير في مثل هذا اليوم؟! والله لأرينّك شيئاً ما رأيتَه (٤) ، فجدّل أبطالاً ونكس رايات في حالة لَم يكن من همّه القتال ولا مجالدة الأبطال ، بل همّه إيصال الماء إلى عيال أخيه.
__________________
(١) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٢٦١ و ٢٦٥ قال : أولاد كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر ، أحد عشر ولداً منهم ؛ كعب ، والضباب. فمن ولد كعب بنو الوحيد الذين منهم اُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد كانت تحت علي بن أبي طالب فولدت له محمداً الأصغر وعثمان وجعفر والعبّاس ، وفي صفحة ٢٧٠ ذكر بني الضباب فقال : منهم الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين واسم ذي الجوشن جميل بن الأعور عمرو بن معاوية وهو الضاب. ومن ولده الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن ساد بالاندس وله بها عقب ونزالتهم بالخشيل من شوذر من عمل جيّان.
وفي العقد الفريد ٢ ص ٨٣ عند ذكر مذحج قال : الضباب في بني الحارث بن كعب مفتوحة الضاد وفي بني عامر بن صعصعة مسكورة وحيث أنّ الشمر من بني عامر بن صعصعة يكون الضباب بكسر الضاد.
(٢) تذكرة الخواص ص ١٤٢ : حكاه عن جده أبي الفرج في المنتظم وإعلام الورى ص ٢٨.
(٣) ابن نما ص ٢٨.
(٤) أسرار الشهادة ص ٣٨٧.