قريب ولا بعيد أعزّ عليَّ منك ، ولَو قدرت أنْ أدفع الضيم عنك بشيء أعزّ عليَّ من نفسي لفعلت ، السّلام عليك ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك. ومشى نحو القوم مصلتاً سيفه وبه ضربة على جبينه فنادى : ألا رجل؟ فأحجموا عنه ؛ لأنّهم عرفوه أشجع النّاس. فصاح عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة. فرُمي بها ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ على النّاس وإنّه ليطرد أكثر من مئتين ، ثمّ تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقُتل. فتنازع ذووا عدة في رأسه ، فقال ابن سعد : هذا لَم يقتله واحد. وفرّق بينهم بذلك (١).
جون
ووقف جون (٢) مولى أبي ذرّ الغفاري أمام الحسين يستأذنه فقال (عليه السّلام) : «يا جون إنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فأنت في إذن منّي». فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم ، إنّ ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليَّ بالجنّة ؛ ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض لوني ، لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين (٣) ، فقَتل خمساً وعشرين وقُتل. فوقف عليه الحسين (ع) وقال : «اللهمّ بيِّض وجهه وطيِّب ريحه ، واحشره مع محمّد (ص) وعرِّف بينه وبين آل محمّد (ص)».
فكان مَن يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحةً طيّبة أذكى من المسك (٤).
أنس الكاهلي
وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاًً كبيراً صحابياً ، رأى النبي
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٤.
(٢) في تاريخ الطبري ٦ ص ٢٣٩ : بالحاء المهملة وبعدها واو ثمّ الياء (حوى). وفي مناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١٨ : برز جوين ابن أبي مالك مولى أبي ذر الغفاري ، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ١ ص ٢٣٧ : جون مولى أبي ذر الغفاري ، وكان عبداً أسود.
(٣) مثير الأحزان لابن نما ص ٣٣ ، طبعة ايران. وفي اللهوف ص ٦١ طبعة صيدا : أفتنفس بالجنّة أترغب أن لا أدخل الجنة؟
(٤) مقتل العوالم ص ٨٨.