الأقدس وسيّد شباب أهل الجنّة ولَم تغب عن أذهانهم مصارحات النّبي (ص) وأبيه الوصي فيه وفي أخيه المجتبى ، وقد عرفوا فضله يوم أجدبت الكوفة وقحط النّاس ، ففزعوا إلى أبي الحسن ، فأخرج السّبط الشهيد للاستسقاء ، وببركات نفسه القدسيّة ونوره المتكوّن من الحقيقة المحمّد يّة استجاب الله تعالى له وأرسل المطر حتّى أعشبت الأرض بعد جدبها. وهو الذي ملك المشرعة يوم صفين فسقى المسلمين بعد أنْ جهدهم العطش (١) ، ولنبأ سقيه الحرّ وألف فارس معه في تلك الأرض القاحلة حتّى أرواهم وخيولهم ، دوي في أرجاء الكوفة.
فهل يستطيع أحد ـ والحالة هذه ـ على مقابلته ومحاربته؟! لولا غلبة الهوى والتناهي في الطغيان وضعف النّفوس ؛ ولذلك كان الجمع الكثير يتسلّل إذا وصل كربلاء ، ولَم يبقَ إلاّ القليل ، فلمّا عرف ابن زياد ذلك بعث سويد بن عبد الرحمن المنقري في خيل وأمره أنْ يطوف في سكك الكوفة وأحياء العرب ويعلن بالخروج إلى حرب الحسين ، ومَن تخلّف جاء به إليه ، فوجد رجلاً من أهل الشام قدم الكوفة في طلب ميراث له فقبض عليه وجاء به إلى ابن زياد فأمر بضرب عنقه ، فلمّا رأى النّاس الشرّ منه خرجوا جميعاً (٢).
الجيوش
فخرج الشمر (٣) في أربعة آلاف ، ويزيد بن الركاب في ألفين ، والحصين بن نمير التميمي في أربعة آلاف ، وشبث بن ربعي في ألف ، وكعب بن طلحة في ثلاثة آلاف ، وحجّار بن أبجر في ألف ، ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر بن حرشة في ألفين (٤) ، فتكامل عند ابن سعد لستٍ خلون من المحرم عشرون ألفاً (٥) ، ولَم يزل ابن زياد يرسل العساكر إلى ابن سعد حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً.
__________________
(١) مقتل العوالم ص ١٥ و ٤٥.
(٢) الأخبار الطوال ص ٢٥٣.
(٣) في البدء والتاريخ ٦ ص ١٠ : سمّاه بشر بن ذي الجوشن. وفي عجالة المبتدي في النّسب تأليف الحافظ أبي بكر محمّد بن أبي عثمان الحازمي الهمداني المتوفّى سنة ٥٨٤ : اسمه شور بن ذي الجوشن ، ولأبيه صحبة ورواية ، روى عنه ابنه شور.
(٤) ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١٥.
(٥) ابن نما واللهوف.