وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله ، أفجزاء محمّد هذا؟! (١).
فقالوا : يا بُرير ، قد أكثرت الكلام ، فاكفف عنّا ، فوالله ليعطش الحسين كما عطش مَن كان قبله.
قال : يا قوم ، إنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم ، وهؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أنْ تصنعوه بهم؟ فقالوا : نريد أنْ نمكنّ منهم الأمير عبيد الله بن زياد ، فيرى فيهم رأيه.
قال : أفلا تقبلون منهم أنْ يرجعوا إلى المكان الذي جاؤا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة ، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها وعليكم؟! أدعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات؟ بئسما خلفتم نبيّكم في ذريّته! ما لكم؟ لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم!
فقال له نفر منهم : يا هذا ، ما ندري ما تقول؟
قال : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة ، اللهمّ إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم ، اللهمّ القِ بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان.
فجعل القوم يرمونه بالسّهام ، فتقهقر (٢).
خطبة الحسين الثانية
ثمّ إنّ الحسين (ع) ركب فرسه ، وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه ، ووقف بإزاء القوم وقال : «يا قوم ، إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله (ص)» (٣).
ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة وما عليه من سيف النّبي (ص) ولامته
__________________
(١) في أمالي الصدوق ص ٩٦ ، المجلس الثلاثون ، الطبعة الاُولى : لمّا بلغ العطش من الحسين وأصحابه ، استأذن برير أن يكلّم القوم فأذِن له.
(٢) البحار ج ١٠ : عن محمّد بن أبي طالب. [بحار الأنوار ٤٥ ص ٥].
(٣) تذكرة الخواص ص ١٤٣.