وعمامته فأجأبوه بالتصديق. فسألهم عمّا أخذهم على قتله؟ قالوا : طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد ، فقال (عليه السّلام) :
«تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم ، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم. فهلاّ ـ لكم الويلات! ـ تركتمونا والسّيف مشيم والجأش طامن والرأي لَما يستحصف ، ولكنْ أسرعتم إليها كطيرة (١) الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثمّ نقضتموها ، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلِم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئيّ السّنَن! ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون! أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه اُصولكم وتأزّرت فروعكم فكنتم أخبث ثمرة ، شجى للناظر وأكلة للغاصب!
ألا وإنّ الدّعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتَين ؛ بين السّلة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت واُنوف حميّة ونفوس أبيّة ، من أن نؤثر طاعة اللئام من مصارع الكرام ، ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العدد وخذلان النّاصر». ثمّ أنشد أبيات فروة بن مُسيك المرادي (٢).
__________________
(١) بالكسر فالفتح ، تاج العروس.
(٢) نقلناها من اللهوف ص ٥٤ ، ورواها ابن عساكر في تاريخ الشام ٤ ص ٣٣٣ ، والخوارزمي في المقتل ٢ ص ٦ ، وفي نقليهما خلاف لما هنا. وقال ابن حجر في الإصابة ٣ ص ٢٠٥ :
وفد فروة بن مسيك (بالتصغير) على النّبي (ص) سنة تسع مع مذحج ، واستعمله النبي على مراد ومذحج وزبيد. وفي الاستيعاب : سكن الكوفة أيام عمر. وذكر ابن هشام في السيرة بهامش الروض الانف ٢ / ٣٤٤ : لمّا كانت الوقعة بين مراد وهمدان ، أنشأ أبياتاً تسعة ولَم يكن فيها البيت الثالث والرابع. وفي اللهوف ذكر سبعة مع البيتين. وفي الأغاني ١٩ / ٤٩ : نسب الفرزدق إلى خاله العلاء بن قرظة قوله :
إذا ما الدهر جر على اناس |
|
بكلكله أناخ بآخرينا |
فقل للشامتين ... الخ
وذكر ابن عساكر في تاريخ الشام ٤ / ٣٣٤ ، والخوارزمي في المقتل ٢ / ٧ ، الأول والثاني ولَم ينسباهما إلى أحد.
ونسبهما المرتضى في الأمالي ١ / ١٨١ إلى ذي الإصبع العدواني. وفي عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ / ١١٤ ، وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ١٩١ : أنّها للفرزدق.
وفي الحماسة البصريّة / ٣٠ : أنّهما من قصيدة فروة بن مسيك ، ويرويان لعمر بن قعاس.