والقمر دونه ، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله ، لا اُجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي ، ثمّ صاح : أما من مغيث يغيثنا! أما من ذابّ يذبُّ عن حرم رسول الله!» (١) فبكت النّساء وكثر صراخهن.
وسمع الأنصاريّان سعد بن الحارث وأخوه أبو الحتوف استنصار الحسين (ع) واستغاثته وبكاء عياله ـ وكانا مع ابن سعد ـ فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين (ع) وقاتلا حتّى قُتلا (٢).
ثبات الميمنة
وأخذ أصحاب الحسين (ع) ـ بعد أن قلّ عددهم وبان النّقص فيهم ـ يبرز الرجل بعد الرجل فأكثروا القتل في أهل الكوفة. فصاح عمرو بن الحَجّاج لأصحابه : أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين ، لا يبرز إليهم أحد منكم إلاّ قتلوه على قلّتهم ، والله لَو لَم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت ، ارسِل في النّاس مَن يعزم عليهم أنْ لا يبارزهم رجل منهم ، ولَو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم (٣).
ثمّ حمل عمرو بن الحَجّاج على مَيمنة الحسين (ع) ، فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح ، فلَم تقدم الخيل. فلمّا ذهبت الخيل لترجع ، رشقهم أصحاب الحسين (ع) بالنّبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين (٤).
وكان عمرو بن الحَجّاج يقول لأصحابه : قاتِلوا مَن مَرق عن الدِّين وفارق الجماعة. فصاح الحسين (ع) : «ويحك يا عمرو! أعليَّ تحرّض النّاس؟ أنحن مرقنا من
__________________
(١) اللهوف ص ٥٧.
(٢) الحدايق الورديّة مخطوط.
(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٩.
(٤) كامل ابن الأثير ٤ ص ٢٧.