لمحض مشاهدة جمال الصدّيق يوسف (عليه السّلام) كما حكاه جلّ شأنه (فَلَمّا رَأَينَهُ أَكبَرنَهُ وَقَطّعنَ أَيدِيَهُنّ وَقُلنَ حَاشَ للّهِِ مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ). وإذا لمْ تشعر النّسوة (١) بمضض الجراح ، فليس من الغريب ألا يجد أصحاب الحسين (ع) ـ وهم زبدة العالم كلّه ـ ألم مس الحديد عند نهاية عشقهم لمظاهر الجمال الإلهي ، ونزوع أنفسهم إلى الغاية القصوى من القداسة بعد التكهرب بولاء سيّد الشهداء (ع) :
بأبي اُفدي وجوهاً منهمُ |
|
صافحوا في كربلا فيها الصِفاحا |
أوجهاً يشرقن بِشراً كلّما |
|
كلح العامُ ويقطرن سماحا |
تتجلّى تحت ظلماء الوغى |
|
كالمصابيح إلتماعاً وإلتماحا |
أرخصوا دون ابن بنت المصطفى |
|
أنفساً تاقت إلى الله رواحا |
فقضوا صبراً ومن أعطافهمْ |
|
أرجُ العزِّ بثوب الدهر فاحا |
لم تذقْ ماءاً سوى منبعثٍ |
|
من دم القلب به غصت جراحا |
أنهلتْ من دمها لو أنه |
|
كان من ظامي الحشا يطفى التياحا |
اُعريت فهي على أن ترتدي |
|
بنسيج التّرب تمتاح الرياحا (٢) |
الحسين مع أصحابه
تمهيد :
إنّ الشريعة المقدّسة أوجبت على النّاس النّهضة ؛ لسدّ باب المنكر ، والردع عن الفساد. وألزمت الاُمّة بمتابعة الإمام في ردِّ عادية الباغين على الخليفة المنصوب علماً للعباد ؛ بعد أنْ يدعوهم إلى التوبة عمّا هم فيه من معاندة الحقّ ، والرجوع إلى ساحة الشرع الأعظم ، كما في قوله تعالى :
(وإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحدَاهُمَا عَلَى
__________________
(١) في ديوان الصبابة (في هامش تزيين الاسواق) ص ٣٩ : بلغ عدد اللائي قطعن أيديهم أربعين امرأة ، منهن تسع شوقاً ووجداً.
(٢) من قصيدة في الحسين (ع) للسيّد عبد المطّلب الحلّي ذُكرت بتمامها في شعراء الحلة ٣ ص ٢١٤.