الأُخرَى فَقَاتِلُوا التِي تَبغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمرِ اللّهِ)، وقد نهض أمير المؤمنين (ع) أيّام خلافته ؛ للدفاع عن قدس الشريعة ، وتنبيه الاُمّة عن رقدة الجهل. وكان الواجب على الناس الفيء إليه ؛ لأنّه إمام الحقِّ ، المفروضة طاعته. وقد اعترف جمهور المسلمين بتماميّة البيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وحكموا بأنّ قتاله لمن خرج عليه حقٌّ ، وهذه كلماتهم التي سجّلوها في صحفهم ، شواهد متقنة على هذه الدعوى المدعومة بالعقل والنّقل.
فهذا أبو حنيفة يقول : ما قاتل أحد علياً إلا وعلي أولى بالحقِّ منه. ولولا ما سار علي (ع) فيهم ، لما علم أحد كيف السّيرة في المسلمين. ولا شكّ أنّ عليّاً (ع) إنّما قاتل طلحة والزبير بعد أن بايعاه وخالفاه ، وفي يوم الجمل سار عليّ (ع) فيهم بالعدل وهو أعلم المسلمين ، فكانت السُنّة في قتال أهل البغي (١).
واقتفاه تلميذه محمّد بن الحسن الشيباني ، المتوفى سنة (١٨٧) فقال : لو لمْ يقاتل معاوية علياً (ع) ظالماً له متعدياً باغياً ؛ كنّا لا نهتدي لقتال أهل البغي (٢).
وقال سفيان الثوري : ما قاتل عليّ (ع) أحداً إلا كان عليّ أولى بالحقّ منه (٣).
وقال الشافعي : السّكوت عن قتلى صفّين حَسَنٌ ؛ وإنْ كان عليّ (ع) أولى بالحقِّ من كلّ مَن قاتله (٤).
وقال أبو بكر أحمد بن عليّ الرازي الجصّاص ، المتوفى سنة (٣٧٠) : كان عليّ محقّاً في قتال الفئة الباغية ، لمْ يخالف فيه أحد. وكان معه من كبراء الصحابة وأهل بدر مَن قد علم مكانهم (٥).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي ، المتوفى سنة (٥٤٦) : كان عليّ إماماً ؛ لأنّهم اجتمعوا عليه. ولمْ يمكنه ترك النّاس ؛ لأنّه أحقّهم بالبيعة ، فقبِلَها حوطة على الاُمّة أنْ لا تُسفك دماؤها بالتهارج فيتخرّق الأمر. وربّما تغيّر الدِّين ، وانقضّ عمود
__________________
(١) مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ٢ ص ٨٣ ـ ٨٤ ط حيدر آباد.
(٢) الجواهر المضيئة ٢ ص ٢٦.
(٣) حلية الأولياء ٧ ص ٣١.
(٤) أدب الشافعي ومناقبه ص ٣١٤.
(٥) أحكام القرآن ٣ ص ٤٩٢.