قصداً منه تعمية الأمر ، وتبعيد السُّبة عنه بالقاء الجريمة على العامل ، لكن الثابت لا يزول. وهذا هو السر في انشائه الكتاب الصغير ، الذي وصفه المؤرخون بأنه (اذن فارة) ، أرفقه مع كتابه الكبير إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة؛ بأخذ البيعة من أهلها عامة. وفي هذا الكتاب الصغير ، إلزام الحسين بها (١) ، وإن أبى فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه؟!.
وليس الغرض من هذا ، إلا أن يزيد لما كان عالماً بأن بيعته لم يتفق عليها صلحاء الوقت ، وأشراف الاُمّة ، وما صدر من الموافقة منهم يوم أرادها أبوه معاوية إنما هو بالوعيد والتهديد! أراد ان يخلي رسمياته عن الأمر بقتل الحسين (عليه السّلام) ، بحيث لو صدر ذلك من عامله ولامه الناس وخطّؤوه ؛ تذرع بنسبة القتل إلى العامل. فان كتابه الذي يأمره فيه بأخذ البيعة من أهل المدينة عامة ، خالٍ من هذه الجرأة ؛ فيكون له المجال في إلقاء التبعة بذلك على عاتق العامل!. كما انه في الوقت نفسه تذرع بهذا العذر ، وانطلى على بعض المؤرخين! وهل ينفعه هذا؟.
لبسوا بما صنعوا ثياب خزايةٍ |
|
سوداً تولّى صبغهنَّ العارُ |
الأنبياء مع الحسين
لقد كان حديث مقتل الحسين (عليه السّلام) من أسرار الخليقة وودائع النبوات ، فكان هذا النبأ العظيم مألكةَ (٢) أفواه النبيين ، دائرة بين أشداق الوصيين وحملة الأسرار؛ ليعرفهم المولى سبحانه وتعالى عظمة هذا الناهض الكريم ، ومنّته على الجميع بحفظ الشريعة الخاتمة التي جاؤوا لتمهيد أمرها ، وتوطيد الطريق إليها ، وتمرين النفوس لها. فيثيبهم بحزنهم واستيائهم ؛ لتلك الفاجعة المؤلمة! فبكاه آدم والخليل وموسى ، ولعن عيسى قاتله ، وأمر بني اسرائيل بلعنه ، وقال : «مَن أدرك أيامه ، فليقاتل معه ، فإنه كالشهيد مع الأنبياء ، مقبلاً غير مدبر. وكأني أنظر إلى بقعته ، وما من نبيٍّ إلا
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ١٨٨.
(٢) في مقاييس اللغة لابن فارس ١ ص ١٣٣ قال الخليل : الألوك الرسالة ، وهي المألكة على مفعلة. وإنما سميت الرسالة ألوكا ؛ لانها تؤلك في الفم ، مشتق من قول العرب للفرس : تألك اللجام ، وتعلكه اذا مضغت الحديد. ويجوز تذكير المألكة.