كلّ صفة حميدة سوى اللواء والخيل ، ولا زيد ابن الامام موسى بن جعفر (ع) لم يتّصف بشيءٍ حسن ، أو قبيح إلا حرقه دور بني العبّاس بالبصرة ، ولا أنّ أولاد ابن أبي معيط لم يحصلوا على نعت من نعوت الإنسانيّة إلا النّار ، التي أضافها لهم رسول الله (ص) يوم أمر بقتل عقبة بن أبي معيط ، وكان كافراً ، فقال : ي محمّد ، مَن للصبية؟. قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : «لهم النّار».
ولا أنّ جعدة بنت الأشعث لم تتصف بالرذائل إلا السمّ ، الذي ناولته أب محمّد الحسن السّبط (ع) ، ولكن لمّا كانت هذه الآثار هي الظاهرة بين النّاس ؛ قيل لمضر : (الحمراء) ، ولربيعة (الخيل) ، ولزيد (النّار) ، ولجعدة (مُسمّة الأزواج).
فقول الحسين (ع) : «أنا قتيل العبرة» ، وقول الصادق (ع) : «بأبي قتيل العبرة» من هذا القبيل ، وهو ما ذكرناه من تأكّد الصلة بين ذكر مقتله ، وبين استدرار الدموع.
التباكي
لقد راق أئمّة الهدى (عليهم السّلام) أنْ تبقى تلك الذكريات الخالدة مدى الدهر ، تتحدّث بها الأجيال المتعاقبة ؛ علماً منهم ببقاء الدِّين غضّاً طرياً ، ما دامت الاُمّة تتذاكر تلك الفاجعة العظمى. ولم يقتصروا على لازمها ، وهو البكاء حتّى رغّبوا إلى التباكي ، وهو : التشبيه بالباكي من دون أن يخرج منه دمع. فيقول الإمام الصادق : «من تباكى ، فله الجنة» (١).
ومعلوم أنّ التباكي إنّما يتصوّر فيمن تتعسّر عليه الدمعة ، لكنّه لم يفقد التأثّر لأجل المصاب ، كما يشاهد في كثير من النّاس. فالتأثّر النّفساني بتصوّر ما ورد على المحبوب من آلام وفوادح ، يستلزم قهراً النفرة عمّن أورد ذلك العدوان.
وفي الحديث عن النّبي (ص) ، أنه قرأ آخر الزمر : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا) على جماعة من الأنصار ، فبكوا إلا شاباً منهم ، قال : لم تقطر من عيني قطرة ، وإنّي تباكيت. قال (ص) : «مَن تباكى ، فله الجنة» (٢).
__________________
(١) أمالي الصدوق ص ٨٦ ، المجلس التاسع والعشرون.
(٢) كنز العمال ١ ص ١٤٧.