الليلة الحادية عشرة
يا لها من ليلة مرّت على بنات رسول الله (ص)! بعد ذلك العزّ الشامخ الذي لم يفارقهنّ منذ أوجد الله كيانهنّ ، فلقد كنّ بالأمس في سرادق العظمة وأخيبة الجلالة تشعّ نهارها بشمس النبوّة ويضيء ليلها بكواكب الخلافة ومصابيح أنوار القداسة ، وبقَين في هذه الليلة في حلك دامس من فقْدِ تلك الأنوار السّاطعة بين رحل منتهَب ، وخباء محترِق ، وفرق سائد ، وحماة صرعى ولا محامٍ لهنّ ولا كفيل ، لا يدرِين مَن يدفع عنهنّ إذا دهمهنّ داهم؟ ومَن الذي يرد عادية المرجفين؟ ومن يسكّن فورة الفاقدات ويخفّف من وجدهنّ؟ نعم ، كان بينهنّ صراخ الصبية وأنين الفتيات ونشيج الوالهات ، فاُمّ طفلٍ فطمته السّهام ، وشقيق مستشهد ، وفاقدة ولد ، وباكية على حميم ، وإلى جنبهنّ أشلاء مبضّعة وأعضاء مقطّعة ونحور دامية ، وهنّ في فلاة من الأرض جرداء. وعلى مطلع الأكمة جحفل الغدر تهزّهم نشوة الفتح طيش الظفر ولؤم الغلبة. وعلى هذا كلّه لا يدرين بماذا يندلع لسان الصباح؟ وبماذا ترتفع عقيرة المنادي؟ أبالقتل أم بالأسر؟! ولا من يدفع عنهنّ غير الإمام العليل الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً ، وهو على خطر من القتل!
ومرضعةٍ هبّت بها لرضيعها |
|
عواطف اُمٍّ اثكلت طفلها صبرا |
رأت مهده بالحزن يطفح بعده |
|
وقد كان فيه قبل يطفح بالبشرى |
وأثقل ثدييها من الدرّ خالص |
|
على طفلها فيه تعودت الدرّا |
فخفت إلى مثوى الرضيع لعلّها |
|
ترى رمقاً فيه يغذي بما درّا |
فلم ترَ إلا جثّةً فوق مذبح |
|
بها علق السهم الذي ذبح النحرا |
فحنّت وأحنت فوقه من تعطف |
|
أضالعها ظلاً تقيه به الحرّا |
وضمّته مذبوح الوريد لصدرها |
|
ومن دمعه المسفوح خضّبت الصدرا |
وودّت ومن أوداجه تنضح الدما |
|
لو انّ بذاك السّهم أوداجها تفرى |
وأضحت على مثواه تفرغ قلبها |
|
حنيناً فترثيه بما يفضل الشعرا |
فطوراً تناغيه وطوراً بلهفة |
|
تعانق جيداّ منه قد زيّن الدرّا |
وتعطف طوراً فوقه فتشمّه |
|
بمنحره الدامي وتلثمه اُخرى |
فيا لك من ثكلى بكت بزفيرها |
|
وأدمعها الخنساء حين بكت صخرا |