شكّ إنّا نرى النّفس عند تأثّرها بذلك تكون متأثّرة بشيء آخر ، وهو العداء والبغض لكلّ مَن أوقع الفوادح والآلام. فالأئمّة ، حيث إنّهم أعرف النّاس بمقتضيات الأحوال والملابسات التي تؤكّد دعوتهم ، كانوا يتحرّون التوصّل إلى أغراضهم بكلّ صورة ، وكان من الوسائل التي توجب انحراف الاُمّة عن أعداء الله ورسوله (ص) أمرهم بالبكاء على مصاب الحسين (ع) ؛ لِما فيه من استلزام تذكّر تلك القساوة انفعال النفس وانقباضها عمّا لا يلائم خطّتهم ، وهذا هو المغزى لقول الحسين (عليه السّلام) : «أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر» (١). فالمؤمن حيث يمتُّ إلى الحسين (ع) بالولاء والمشايعة ، كان ذلك موجباً لتأثّر نفسه ، واحتدام قلبه على كلّ مَن يوجّه إليه الأضرار والأخطار ، ويشتدّ هذا التأثّر عند تناهي تلك الفوادح.
(وبالجملة) لمْ يقصد سيد الشهداء بهذه الجملة «أنا قتيل العبرة» خصوص التعريف بأنّ قتله كان لأجل أنْ يُبكى عليه ؛ فيستحقّ به الأجر في الآخرة ، بحيث لا يكون هناك أثر آخر يترتّب عليه قتله سوى البكاء عليه. كيف؟ وهنالك آثار اُخرى ، أهمّها : إحياء شريعة الحقِّ ، وتقويم ما اعوجّ من علم الهداية ، ونشر الإصلاح بين الاُمّة ، وتعريف الملأ ما عليه اُمراء الجَور من السّير وراء المطامع.
ولكنّ الوجه في هذه الإضافة هو تأكّد الصلة بين ذكر مقتله ، وبين البكاء عليه ، فإنّ لوعة المصاب به لا تطفأ ، ومضض الإستياء له لا تنفد ؛ لاجتماع الكوارث عليه ، وملاقاته لها بصدر رحيب ، وصبر تعجبت منه ملائكة السّماء. فأول ما يتأثر به السّامع لها أنْ تستدر دموعه ، فلا يذكر الحسين (ع) إلا والعبرة تسبق الذكر ، أضف إلى ذلك المودّة الكامنة له في قلوب أحبّائه ؛ بحيث إذا انضمّت إلى تلك ، كانت أدعى لتأكّد الصلة بين ذكره ، وبين البكاء عليه. فمن هنا استحقّ إضافة القتل إليه ، فقال : «أنا قتيل العبرة».
وعلى هذا سار العرب في كلامهم ، فإنّهم إذا رأوا بين الإنسان ، وبين بعض حالاته وصفاته صلة أكيدة ، أضافوه إلى ذلك الحال ، فقالوا : (مضر الحمراء) ، و (ربيعة الخيل) ، و (زيد النّار) ، و (صبية النّار) ، و (مُسمّة الأزواج) ؛ فإنّ ربيعة ومضر لم يتخلّيا عن
__________________
(١) كامل الزيارات ص ١٠٨.