رسول الله (ص) : «إنّ الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مؤمن» (١).
والثانية : امرأة هاني ، فإنّها تعلّقت بي وأقسمت عليَّ بالله أنْ لا أفعل هذا في دارها ، وبكت في وجهي فقال هاني : يا ويلها! قتلتني وقتلت نفسها ، والذي فرّت منه وقعت فيه (٢).
ولبث شريك بعد ذلك ثلاثة أيام ومات فصلّى عليه ابن زياد (٣) ، ودفن بالثوبة ، ولمّا وضح لابن زياد أنّ شريكاً كان يحرّض على قتله ، قال : والله لا اُصلّي على جنازة عراقي أبداً ولولا أنّ قبر زياد فيهم لنبشتُ شريكاً (٤).
وأخذت اليشعة تختلف إلى مسلم بن عقيل في دار هاني على تستّر واستخفاء من ابن زياد وتواصوا بالكتمان ؛ فخفي على ابن زياد موضع مسلم ، فدعا معقلاً مولاه ، وأعطاه ثلاثة آلاف ، وأمره أنْ يلقى الشيعة ويعرّفهم أنّه من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، وقد أنعم الله عليه بحبِّ أهل بيت رسوله ، وبلغه قدوم رجل منهم إلى هذا المصر داعيةً للحسين ، وعنده مال يريد أن يلقاه ويوصله
__________________
(١) ابن الأثير ٤ ص ١١ ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٠ ، وقد تكرر ذكر الحديث في الجوامع ، ففي مسند أحمد ١ ص ١٦٦ ، ومنتخب كنز العمّال بهامشه ١ ص ٥٧ ، والجامع الصغير للسيوطي ٤ ص ١٢٣ ، وكنوز الحقايق بهامشه ١ ص ٩٥ ، ومستدرك الحاكم ٤ ص ٣٥٢ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ٢٠٢ الفصل العاشر ، ومناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٣١٨ ، والبحار الجزء الحادي عشر في معاجز الصادق (ع) ، ووقايع الأيام عن الشهاب في الحكم والآداب.
(٢) ابن نما ص ١٤ : وهذه الكلمة من عالم أهل البيت وخليفة سيّد الشهداء في الأمور الدينية والمدنية تفيد الملأ الديني المقتفي آثارهم فقهاً بشريعة الرسول الأقدس المانعة من الغدر ، وأنّ النفوس الطاهرة تأبى للضيف أنْ يدخل بمَن استضافهم ما يكرهون وهذه تعاليم مقدّسة للاُمّة لو كانوا يفقهون.
وهناك سرّ دقيق ومغزى آخر نظر إليه (شهيد القصر) لمسناه جوهرة فريدة من قول عمّه أمير المؤمنين في جواب مَن قال له : ألا تقتل ابن ملجم؟ فقال (ع) : «إذن فمَن يقتلني؟» ، ومن قول الحسين لاُمّ سلمة : «إذا لم أمض إلى كربلا فمن يقتلني؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي؟ وبماذا يختبرون؟!» ، فإنّ مفاد ذلك عدم قدرة أحد على تغيير المقادير الإلهية المحتّمة ، وقد أجرى الله القضاء بشهادة أمير المؤمنين والحسين على يد ابن ملجم ويزيد.
وإذا كان من الجائز أن يطلع أمير المؤمنين الخواص من أصحابه كميثم وحبيب ورشيد وكميل على كيفية قتلهم وعلى يد مَن يكون ، فمن القريب جداً أنْ يوقف سيّد الشهداء (ع) مسمل بن عقيل على ما يجري عليه حرفاً حرفاً ؛ لأنّ ابن عقيل في السنام الأعلى من اليقين والبصيرة النافذة ، ولكنّ الظرف لم يساعده على إظهار هذه الأسرار ، فإنّ سرّ آل محمّد مستصعب ، فأخذ يجمل في البيان ، وعليك بمراجعة كتابنا (الشهيد مسلم / ١٣٤) فقد تبسّطنا في إيضاح ذلك تحت عنوان (مسلم لا يغدر).
(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ١ ص ٢٠٢ الفصل العاشر ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢٠٢.
(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٠٢.