عرفني ، ومَن لَم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ، أيّها النّاس أنا ابن مكّة ومِنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن مَن حمل الركن بأطراف الردا ، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى وخير مَن طاف وسعى ، وحجّ ولبّى ، أنا ابن مَن حُمِل على البراق وبلغ به جبرئيل سدرة المنتهى ، فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السّماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن مَن ضرب بين يدَي رسول الله ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيّين ، ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ومفرّق الأحزاب ، أربطهم جأشاً ، وأمضاهم عزيمةً ذاك أبو السّبطين الحسن والحسين ، علي بن أبي طالب.
أنا ابن فاطمة الزهراء ، وسيّدة النّساء ، وابن خديجة الكبرى.
أنا ابن المرمّل بالدماء ، أنا ابن ذبيح كربلاء ، أنا ابن مَن بكى عليه الجنّ في الظلماء ، وناحت الطير في الهواء».
فلمّا بلغ إلى هذا الموضع ، ضجّ النّاس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذّن أن يُؤذِّن للصلاة. فقال المؤذِّن : الله أكبر.
قال الإمام (ع) : «الله أكبر وأجلّ وأعلى وأكرم ممّا أخاف وأحذر». فلمّا قال المؤذِّن : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله ، قال (ع) : «نعم ، أشهد مع كلّ شاهد أنْ لا إله غيره ولا ربّ سواه». فلمّا قال المؤذِّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله قال الإمام (ع) للمؤذِّن : «أسألك بحقّ محمّد أنْ تسكت حتّى اُكلّم هذا!
والتفت إلى يزيد وقال : هذا الرسول العزيز الكريم جدّك أم جدّي؟ فإنْ قلتَ جدّك علم الحاضرون والنّاس كلّهم إنّك كاذب ، وإنْ قلتَ جدّي فلِمَ قتلتَ أبي ظلماً وعدواناً وانتهبت ماله وسبَيت نساءه ، فويلٌ لك يوم القيامة إذا كان جدّي خصمك».
فصاح يزيد بالمؤذِّن : أقم للصلاة. فوقع بين النّاس همهمة وصلّى بعضهم ، وتفرّق الآخر (١).
__________________
(١) نفَس المفهوم ص ٢٤٢ ، والخطبة طويلة في مقتل الخوارزمي ٢ ص ٦٩.