إنّما اُتي من قلَّة فقهه ولَم يقرأ : (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) وقوله تعالى : (... وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ...) (١).
الخربة
ولقد أحدثت هذه الخطبة هزّة في مجلس يزيد ، وراح الرجل يحدّث جليسه بالضلال الذي غمرهم وإنّهم في أي وادٍ يعمهون ، فلم يرَ يزيد مناصاً إلاّ أن يُخرج الحرم من المجلس إلى خربة لا تكنّهم من حرٍّ ولا برد ، فأقاموا فيها ينوحون على الحسين (عليه السّلام) (٤) ثلاثة أيّام (٥).
وفي بعض الأيّام خرج الإمام السّجاد (ع) منها يتروّح ، فلقيه المنهال بن عمر وقال له : كيف أمسيت يابن رسول الله؟ قال (ع) : «أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً منها ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها ، وأمسينا معشر أهل بيته مقتولين مشرّدين ، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون» (٦).
قال المنهال : وبينا يكلّمني إذ امرأة خرجت خلفه تقول له : إلى أين يا نِعم الخلَف؟ فتركني وأسرع إليها ، فسألتُ عنها قيل : هذه عمّته زينب (٧).
إلى المدينة
لقد سرَّ يزيدَ قتلُ الحسين (ع) ومَن معه وسَبي حريم رسول الله (صلّى الله عليه
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٦٦ ، والبداية لابن كثير ٨ ص ١٩٥.
(٢) اللهوف ص ٢٠٧ ، وأمالي الصدوق ص ١٠١ المجلس الواحد والثلاثون.
(٣) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٤. وهذه الخربة ـ أو فقل المحبس ـ كما جاء في ذيل مرآة الزمان لليونيني ٤ ص ١٤٦ ، حوادث (سنة ٦٨١ ـ) قال : في ليلة الأحد ، عاشر شهر رمضان ، احترقت سوق اللبادين بدمشق بكمالها وجسر الكتبيين ، والفوارة وسوق القماش المعروف بسوق عسا الله وسقاية جيرون ، ووصلت النّار إلى درب العجم وسط جيرون وجدار المسجد العمري الذي على درج بدرب الجامع الملاصق لسجن زين العابدين ....
(٤) مثير الأحزان لابن نما ص ٥٨ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٧٢.
(٥) الأنوار النّعمانيّة ص ٣٤٠.