غلاماً من بني هاشم يحلفون بالله أنّه ما قتل عثمان ولا مالأ عليه (١).
هذه نصوص علماء السنّة في أحقية علي (ع) بالخلافة من غيره ، وأن الخارج عليه باغ يستحق القتال حتّى يثوب إلى الحقِّ ؛ ولذا كان خيار الصحابة والتابعين معه ، ومنهم اُويس القرني ، فإنّه كان في الرجّالة يوم صفين (٢).
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : ما وجدت في نفسي من شيءٍ ؛ مثل ما وجدت أني لم اُقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى. وكان يحدّث بما أخبر به النبي (ص) : أن أبن سميّة عمّاراً تقتله الفئة الباغية ، وأن البُغاة على الإمام علي (ع) هم : معاوية وأصحابه. ولمّا سئل عن المشاركة مع علي بن أبي طالب يوم صفين ؛ اعتذر بما لا يجديه يوم فصل الخطاب ، فقال : إني لم أضرب بالسيف ، ولم أطعن بالرمح ، ولكن رسول الله (ص) قال : «أطع أباك» فأطعته (٣).
هذا هو التمويه والخداع! كيف يسوّغ التذرع عن مخالفة الحقِّ بحمل كلام النبي (ص) على غير حقيقته؟ أتجوّز الشريعة حمل الحديث على وجوب طاعة الأب حتّى إذا استلزمت ترك الفرائض ، أو ارتكاب المحرمات؟ كلا ، إن طاعة الإمام الذي تمّت له البيعة ، كانت مفروضة في أعناق المسلمين ، لا مناص للامّة حينئذ إلا الخضوع له ، ووجوب امتثال أمره فيما يدعوهم إليه. ولا طاعة للأبوين في قبال طاعة الإمام (ع) ؛ ولعل قوله تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا) شامل لذلك ، فإن المراد من الشرك المنهي عنه : الكناية عن ترك الإنقياد لله سبحانه ، ويدخل فيه الإعراض عن طاعة النبي (ص) والإمام الذي تمت له البيعة في أعناق المسلمين ؛ ولذلك كانت عائشة تتم في سفرها إلى البصرة في قتال علي (ع) ، فإن القصر عندها إنما يكون في سفر طاعة (٤).
إنّ الشريعة المقدسة أوجبت على إمام الاُمّة إقامة الحُجّة على كلِّ مَن عانده ،
__________________
(١) الاسلام والحضارة العربية ٢ ص ٣٨٠.
(٢) عمدة القارئ للعيني ١١ ص ٣٤٦.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) نيل الاوطار ٢ ص ١٧٩ صلاة المسافر ـ باب من اجتاز في بلد فتزوّج فيها.