مدامعه (١) فتقف فى ضفّتى جفونه ، وإنّ أنثاه تطعم ذلك ثمّ تبيض لا من لقاح فحل سوى الدّمع المنبجس لما كان ذلك بأعجب (٢) من مطاعمة الغراب تخال قصبه مدارى من فضّة (٣) وما أنبت عليه من عجيب داراته وشموسه خالص العقيان وفلذ الزّبرجد ، فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلت : جنى جنى من زهرة كلّ ربيع (٤) ، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشىّ الحلل (٥) أو مونق عصب اليمن ، وإن شاكلته بالحلىّ فهو كفصوص ذات ألوان قد
__________________
(١) «تسفحها» أى : ترسلها أوعية الدمع ، وضفة الجفن : استعارة من ضفتى النهر ، بمعنى جانبيه ، وتطعم ذلك ـ كتعلم ـ أى : تذوقه كأنها تترشفه ، ولقاح الفحل ـ كسحاب ـ ماء التناسل يلقح به الأنثى ، والمنبجس : النابع من العين
(٢) «لما كان ذلك بأعجب» أى : لو صح ذلك الزعم فى الطاووس لكان له نظير فيما زعموا فى مطاعمة الغراب وتلقيحه لأنثاه حيث قالوا : إن مطاعمة الغراب بانتقال جزء من الماء المستقر فى قانصة الذكر إلى الأنثى تتناوله من منقاره ، والمماثلة بين الزعمين فى عدم الصحة. ومنشأ الزعم فى الغراب إخفاؤه لسفاده حتى ضرب المثل بقولهم «أخفى من سفاد الغراب».
(٣) القصب : جمع قصبة ، وهى الريش ، والمدارى : جمع مدرى ـ بكسر الميم ـ قال ابن الأثير : المدرى والمدراة مصنوع من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط ، وأطول منه ، يسرح به الشعر المتلبد ، ويستعمله من لا مشط له. والدارات : هالات القمر ، والعقيان : الذهب الخالص ، أو ما ينمو منه فى معدنه. وفلذ ـ كعنب ـ جمع فلذة ، بمعنى القطعة ، و «ما أنبت» معطوف على قصبه ، والتشبيه فى بياض القصب والصفرة والخضرة فى الريش
(٤) «جنى» أى : مجتنى جمع كل زهر ، لأنه جمع كل لون
(٥) الموشى : المنقوش المنمنم ، على صيغة اسم الفاعل ، والعصب ـ بالفتح ـ ضرب من البرود منقوش