(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) أعرضت عنه على وجه العتوّ والعناد (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والمناقشة (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) منكرا. والمراد حساب الآخرة وعذابها. والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق ، كقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (١) (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ) (٢).
ونحو ذلك ، فإنّ ما هو كائن لا محالة فكأن قد كان. ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم ، وإثباتها في صحائف الحفظة ، وبالعذاب ما أصيبوا به عاجلا.
(فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) ثقل عقوبة كفرها وشدّة معاصيها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) لا ربح فيه أصلا.
(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) تكرير للمبالغة ، وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) يا أصحاب العقول الصافية ، فلا تفعلوا مثل ما فعل أولئك ، فينزل بكم ما نزل بهم.
ثمّ وصف أولي الألباب بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) خصّ المؤمنين بينهم بالذكر ، لأنّهم المنتفعون بذلك دون الكفّار. ثمّ ابتدأ سبحانه فقال : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً) يعني بالذكر جبرئيل ، لكثرة ذكره ، أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، أو لأنّه مذكور في السماوات ، أو في الأمم. أو ذا ذكر ، أي : شرف.
أو محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لمواظبته على تلاوة القرآن ، أو لتبليغه. وأبدل منه «رسولا» للبيان. وروي ذلك عن أبي عبد الله عليهالسلام.
أو أراد بالذكر القرآن ، و «رسولا» منصوب بمقدّر مثل : أرسل ، ودلّ قوله : (أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) عليه. وقيل : عمل «ذكرا» في «رسولا» أي : أنزل الله إليكم ذكرا رسولا ، أي : للرسالة.
__________________
(١) الأعراف : ٤٤ و٥٠.
(٢) الأعراف : ٤٤ و٥٠.