في بعض نواحيها.
(وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) يبصر أهل الدنيا في ضوئها ، كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى إبصاره. فمثّلها به لأنّها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض ، كما يزيلها السراج عمّا حوله. والقمر ليس كذلك ، وإنّما هو نور لم يبلغ قوّة ضياء الشمس. ومثله قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (١). والضياء أقوى من النور.
وعن ابن عبّاس وابن عمر : أنّ الشمس والقمر وجوههما ممّا يلي السماء ، وظهورهما ممّا يلي الأرض.
(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أنشأكم منها. فاستعير الإنبات للإنشاء ، كما يقال : زرعك الله للخير. وكانت هذه الاستعارة أدلّ على الحدوث والتكوّن من الأرض ، لأنّهم إذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات. ومنه قيل للحشويّة : النابتة والنوابت ، لحدوث مذهبهم في الإسلام من غير أوّليّة لهم فيه.
وأصله : أنبتكم إنباتا فنبتّم نباتا ، فاختصر اكتفاء بالدلالة الالتزاميّة.
(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) مقبورين (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) بالحشر. وأكّده بالمصدر كما أكّد به الأوّل ، دلالة على أنّ الإعادة محقّقة كالإبداء. فكأنّه قال : يخرجكم حقّا ولا محالة.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) مبسوطة تتقلّبون عليها كما يتقلّب الرجل على بساطه (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) واسعة. جمع فجّ. و «من» لتضمّن الفعل معنى الاتّخاذ.
عدّد الله سبحانه هذه الضروب من النعم ، فنبّههم سبحانه أوّلا على النظر في أنفسهم ، لأنّها أقرب منظور فيه منهم. ثمّ على النظر في العالم وما سوّى فيه من
__________________
(١) يونس : ٥.