على ظهري ، وسبعة على بطني ، فاكفوني أنتم اثنين. فنزلت :
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) أي : وما جعلنا الموكّلين بالنار رجالا من جنسكم ، بل ما جعلناهم إلّا ملائكة ليخالفوا جنس المعذّبين من الثقلين ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقّة ، ولا يستروحون إليهم. ولأنّهم أقوى الخلق بأسا ، وأشدّهم غضبا لله ، وأقواهم بطشا. وعن عمرو بن دينار : واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنّم أكثر من ربيعة ومضر. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كأنّ أعينهم البرق ، وكأنّ أفواههم الصياصي (١) ، يجرّون أشعارهم ، لأحدهم مثل قوّة الثقلين ، يسوق أحدهم الأمّة وعلى رقبته جبل ، فيرمي بهم في النار ، ويرمي بالجبل عليهم».
(وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي : وما جعلنا عددهم إلّا العدد الّذي اقتضى فتنتهم ، أي : محنة وتشديدا لهم في التكليف ، وهو التسعة عشر. فعبّر بالأثر ـ أعني : الفتنة ـ عن المؤثّر ، أعني : تسعة عشر ، فوضع (فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) موضع «تسعة عشر» تنبيها على أنّ الأثر لا ينفكّ منه. وافتتانهم به : استقلالهم ، واستهزاؤهم به ، واستبعادهم أن يتولّى هذا العدد القليل ـ الناقص واحدا من عقد العشرين ـ تعذيب أكثر الثقلين.
(لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي : ليكتسبوا اليقين بنبوّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدق القرآن لمّا رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) بالإيمان به وإن خفي وجه الحكمة عليهم. كأنّه قيل : ولقد جعلنا عدّتهم عدّة من شأنها أن يفتتن بها ، لأجل استيقان أهل الكتاب ، لأنّ عدّتهم تسعة عشر في الكتابين ، فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنّه منزل من الله. ولأجل ازدياد المؤمنين إيمانا ، لتصديقهم بذلك كما صدّقوا بسائر ما أنزل ، ولما رأوا من تسليم
__________________
(١) الصياصي جمع الصيصية : الحصون.