(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) حجّة بيّنة على أعمالها ، لأنّه شاهد بها. وصفت بالبصارة على المجاز ، كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله :
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) (١). أو عين بصيرة بها ، فلا يحتاج إلى الإنباء ، لأنّه شاهد عليها بما عملت ، لأنّ جوارحه تنطق بذلك : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢). فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه.
روى العيّاشي بإسناده عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا؟ أليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنّه ليس كذلك؟ والله سبحانه يقول : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إنّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية».
وعن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه تلا هذه الآية ثمّ قال : «ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس خلاف ما يعلم الله منه؟».
وعن زرارة سألت أبا عبد الله عليهالسلام : «ما حدّ المرض الّذي يفطر صاحبه؟ قال : «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ».
(وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ولو جاء بكلّ ما يمكن أن يعتذر به لمن ينفعه ذلك. جمع معذار ، وهو العذر. أو جمع معذرة على غير قياس ، فإنّ قياسه : معاذر. أو ليس بجمع معذرة ، وإنّما هو اسم جمع لها. ونحوه : المناكير في المنكر. وعن الضحّاك : ولو أرخى ستوره. وقال : المعاذير الستور ، واحدها معذار. وهي لغة طائيّة ، لأنّه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. والمعنى على هذا القول : وإن أسبل الستور ليخفي ما يعمل ، فإنّ نفسه شاهدة.
__________________
(١) النمل : ١٣.
(٢) النور : ٢٤.