(اذْهَبْ) على إرادة القول ، أي : قال الله تعالى له : اذهب (إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) تجاوز الحدّ في الاستعلاء والتمرّد.
(فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) هل لك الميل إلى أن تتطهّر من الكفر والطغيان؟ يقال : هل لك في كذا؟ وهل لك إلى كذا؟ كما يقال : هل ترغب فيه؟ وهل ترغب إليه؟ ومعناه : العرض ، كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا؟ أمره سبحانه أن يقول له الكلام الرقيق الليّن ليستدعيه بالتلطّف في القول ، ويستنزله بالمداراة من عتوّه ، كما أمر بذلك في قوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (١). وقرأ الحجازيّان ويعقوب : تزكّى بالتشديد.
(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) وأرشدك إلى معرفة الله ، وأنبّهك عليه فتعرفه (فَتَخْشى) بأداء واجباته المأمورة وترك محرّماته المنهيّة ، إذ الخشية بعد المعرفة ، وقد قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) أي : العلماء العرفاء به.
وذكر الخشية لأنّها ملاك الأمر ، فإنّ من خشي الله أتى منه كلّ خير ، ومن أمن اجترأ على كلّ شرّ. ومنه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من خاف أدلج (٣) ، ومن أدلج بلغ المنزل».
وهذا كالتفصيل ، لقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (٤).
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) أي : فذهب فأراه المعجزة الكبرى ، وهي قلب العصا حيّة ، فإنّها كان المقدّم والأصل ، والآيات الاخرى كالتبع لها. أو مجموع معجزاته ، فإنّها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة.
(فَكَذَّبَ) بموسى والآية الكبرى ، فسمّاهما ساحرا وسحرا (وَعَصى) وعصى الله بعد ما علم صحّة الأمر ، وأنّ الطاعة قد وجبت عليه.
__________________
(١) طه : ٤٤.
(٢) فاطر : ٢٨.
(٣) أدلج القوم : ساروا الليل كلّه أو في آخره.
(٤) طه : ٤٤.