ويقال أيضا : أغطش الليل ، كما يقال : أظلم. فجاءا متعدّيين ولازمين. (وَأَخْرَجَ ضُحاها) وأبرز ضوء شمسها ، لقوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١) يريد النهار.
وقولهم : وقت الضحى للوقت الّذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها. وإنّما أضاف الليل والضحى إلى السماء ، لأنّهما يحدثان بحركتها ، ولأنّ الليل ظلّها ، والضحى الشعاع المنبثّ في جوّها.
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ) بعد خلق السماء (دَحاها) بسطها ومهّدها للسكنى.
قال ابن عبّاس : إنّ الله تعالى دحا الأرض بعد السماء وإن كانت الأرض خلقت قبل السماء ، وكانت ربوة مجتمعة تحت الكعبة فبسطها. وقال مجاهد والسدّي : معناه : والأرض مع ذلك دحاها ، كما قال : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٢) أي : مع ذلك.
(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها) بتفجير العيون (وَمَرْعاها) ورعيها. وهو في الأصل موضع الرعي. والمراد ما يأكل الناس والأنعام ، من الثمار والأشجار والحبوب وسائر النباتات. واستعير الرعي للإنسان ، كما استعير الرتع في قوله : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (٣).
(وَالْجِبالَ أَرْساها) أثبتها. وتجريد «أخرج» عن العاطف لوجهين :
أحدهما : أن يكون معنى «دحاها» : بسطها ومهّدها للسكنى. ثمّ فسّر التمهيد بما لا بدّ منه في تأتّي سكناها ، من تسوية أمر المأكل والمشرب ، وإمكان القرار عليها ، والسكون بإخراج الماء والمرعى ، وإرساء الجبال ، وإثباتها أوتادا لها حتّى تستقرّ ويستقرّ عليها.
والثاني : أن يكون «أخرج» حالا بإضمار «قد» كقوله :
__________________
(١) الشمس : ١.
(٢) القلم : ١٣.
(٣) يوسف : ١٢.