لا يبخل بالتبليغ ، فيزوي (١) بعضه غير مبلّغه ، أو يسأل تعليمه فلا يعلّمه. وهو في مصحف عبد الله بالظاء ، وفي مصحف أبيّ بالضاد. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقرأ بهما.
وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ، ومعرفة مخرجيهما ممّا لا بدّ منه للقارىء ، فإنّ أكثر العجم لا يفرّقون بين الحرفين ، وإن فرّقوا ففرقا غير صواب. وبينهما بون بعيد ، فإنّ مخرج الضاد من أصل حافّة اللسان ، وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره. وأمّا الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا. ولو استوى الحرفان لما ثبت في هذه الكلمة قراءتان ، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب.
(وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) بقول بعض المسترقة للسمع ، وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة. وهو نفي لقولهم : إنّه لكهانة وسحر.
ثمّ بكّتهم الله سبحانه ، فقال : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر الرسول والقرآن ، كقولك لتارك الجادّة اعتسافا : أين تذهب؟ فمثّلت حالهم بحاله في تركهم الحقّ ، وعدولهم عنه إلى الباطل.
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) تذكير (لِلْعالَمِينَ) لا مطلقا ، بل (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) بتحرّي الحقّ وملازمة الصواب. فهذا بدل من «للعالمين». وإنّما أبدلوا منهم لأنّ الّذين شاؤا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر ، فكأنّه لم يوعظ به غيرهم ، وإن كانوا موعظين جميعا.
(وَما تَشاؤُنَ) الاستقامة يا من يشاؤها (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) إلّا بتوفيق الله مالك الخلق كلّهم وبلطفه. أو وما تشاؤنها أنتم يا من لا يشاؤها إلّا بقسر الله وإلجائه. ولكن لا يفعل ، لأنّه إنّما يريد منكم أن تؤمنوا اختيارا لتستحقّوا الثواب ، فلا يريد أن يحملكم عليه.
__________________
(١) أي : يمنع.