ولمّا ختم سبحانه سورة الانشقاق بذكر المؤمنين ، افتتح هذه السورة أيضا بذكر المؤمنين من أصحاب الأخدود ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) البرج بمعنى القصر.
وأصل التركيب للظهور. والمراد : المنازل العالية ، وهي منازل الشمس والقمر والكواكب. وهي اثنا عشر برجا ، يسير القمر في كلّ برج منها يومين وثلاثا ، وتسير الشمس في كلّ برج شهرا. أو منازل القمر ، وهي ثمانية وعشرون ، سمّيت بها على التشبيه بالقصور. أو عظام الكواكب ، سمّيت بروجا لظهورها. أو أبواب السماء ، فإنّ النوازل تخرج منها.
(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) لمجازاة الخلائق. وهو يوم القيامة باتّفاق جميع المفسّرين. (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) أي : وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه. والمراد : من يشهد فيه من الخلائق كلّهم ، وما أشهد وأحضر في ذلك اليوم من عجائبه.
وتنكيرهما للإبهام في الوصف ، أي : وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما. أو المبالغة في الكثرة ، كأنّه قيل : ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود.
وقد اضطربت أقاويل المفسّرين فيهما. فعن ابن عبّاس : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة. وروي ذلك عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام.
وسمّي يوم الجمعة شاهدا ، لأنّه يشهد على كلّ عامل بما عمل فيه. وفي الحديث : «ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت أفضل منه ، وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو الله فيها بخير إلّا استجاب الله له ، ولا استعاذ من شرّ إلّا أعاذه منه».
ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحجّ ، وتشهده الملائكة.
وعن بعضهم : الشاهد يوم النحر ، والمشهود يوم عرفة.
وعن سعيد بن المسيّب : الشاهد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمشهود يوم القيامة. وهو المرويّ عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام.