وعلى التقادير ؛ قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) جواب القسم على تقدير : لقد قتل. والأظهر أنّه دليل جواب محذوف ، كأنّه قيل : إنّهم ملعونون ـ يعني : كفّار مكّة ـ كما لعن أصحاب الأخدود ، فإنّ السورة وردت لتثبيت المؤمنين ، وتصبيرهم على أذاهم ، وتذكيرهم بما جرى على من قبلهم من التعذيب وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم ، حتّى يأنسوا بهم ، ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ، ويعلموا أنّ كفّارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذّبين المحرقين بالنار ، ملعونون أحقّاء بأن يقال فيهم : قتلت قريش ، كما قيل : قتل أصحاب الأخدود. وهو دعاء عليهم ، كقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١).
والأخدود ، الخدّ ، وهو الشقّ في الأرض. ونحوه : الخقّ والأخقوق بناء ومعنى. ومنه : فساخت قوائمه في أخاقيق جرذان (٢).
وروى مسلم في الصحيح عن هدّاب بن خالد ، عن حمّاد بن مسلمة ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر ، فلمّا مرض الساحر قال : إنّي قد حضر أجلي ، فادفع إليّ غلاما أعلّمه السحر ، فدفع إليه غلاما. وكان يختلف إليه ، وبين الساحر والملك راهب ، فمرّ الغلام بالراهب ، فأعجبه كلامه وأمره. وكان يطيل عنده القعود ، فإذا أبطأ عن الساحر ضربه ، وإذا أبطأ عن أهله ضربوه. فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : يا بنيّ إذا استبطأك الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا استبطأك أهلك فقل : حبسني الساحر.
فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد حبستهم دابّة عظيمة فظيعة ، فقال : اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب. فأخذ حجرا فقال : اللهمّ إن كان أمر الراهب
__________________
(١) عبس : ١٧.
(٢) الجرذ : نوع من الفار. والجمع : الجرذان.