وقيل : ملك يحفظ عملها ، ويحصي عليها ما تكسب من خير وشرّ. روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وكلّ بالمؤمن مائة وستّون ملكا يذبّون عنه ، كما يذبّ عن قصعة العسل الذباب. ولو وكّل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».
وقرأ ابن عامر وحمزة : لمّا بالتشديد ، على أنّها بمعنى «إلّا» و «إن» نافية. والمعنى : ما كلّ نفس إلّا عليها حافظ.
ولمّا ذكر أنّ على كلّ نفس حافظا ، أتبعه توصية الإنسان بالنظر في مبدئه وأوّل أمره ونشأته ، ليعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته ، فلا يملي على حافظه إلّا ما يسرّه في عاقبته ، فقال :
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) من أيّ شيء خلقه الله. فأجاب بقوله : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) ذي دفق في الرحم ، كاللّابن (١) والتامر. أو الإسناد مجازيّ ، والدفق في الحقيقة لصاحبه ، أي : دافق صاحبه. قال الفرّاء : وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول. وهذا وقع في كثير من كلامهم ، نحو : سرّ كاتم ، وهمّ ناصب. والدفق : صبّ فيه دفع. والمراد : الممتزج من الماءين في الرحم. واتّحادهما حين ابتدئ في خلقه ، ولهذا لم يقل : ماءين. ويدلّ على أنّ المراد ماءان قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) صلب الرجل وترائب المرأة ، وهي عظام صدرها حيث تكون القلادة. وقيل : العظم والعصب من الرجل ، واللحم والدم من المرأة.
ولو صحّ أنّ النطفة تتولّد من فضل الهضم الرابع ، وتنفصل من جميع الأعضاء حتّى تستعدّ لأن يتولّد منها مثل تلك الأعضاء ، ومقرّها عروق ملتفّ بعضها بالبعض عند البيضتين ، فالدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها ، ولذلك تشبهه ، ويسرع
__________________
(١) أي : ذي اللبن والتمر.