بأنّ أعمال الخلق محفوظة ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) والكوكب البادي بالليل. وهو في الأصل لسالك الطريق. واختصّ عرفا بالآتي ليلا ، ثمّ استعمل للبادي فيه. أو الكوكب الذي يطرق الجنّي ، أي : يصكّه.
روي : أنّ أبا طالب كان عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فانحطّ نجم ، فامتلأ ماثمّ نورا ، فجزع أبو طالب وقال : أيّ شيء هذا؟ فقال عليهالسلام : «هذا نجم رمي به ، وهو آية من آيات الله». فعجب أبو طالب ، فنزلت : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ).
(وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ) المضيء ، كأنّه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه ، كما قيل : درّيّ ، لأنّه يدرأ الظلام ، أي : يدفعه. والمراد جنس النجوم ، أو جنس الشهب الّتي يرجم بها ، أو كوكب معهود بالثقب ، وهو زحل.
واعلم أنّ الله سبحانه أراد أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيما له ، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة ، وأن ينبّه على ذلك ، فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره ، وهو الطارق. ثمّ قال : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ). ثمّ فسّره بقوله :
(النَّجْمُ الثَّاقِبُ). كلّ هذا إظهارا لفخامة شأنه ، كما قال : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (١).
وجواب القسم قوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) «إن» هي المخفّفة ، واللام هي الفاصلة ، و «ما» زائدة. والمعنى : أنّ الشأن كلّ نفس لعليها مهيمن رقيب ، وهو الله تعالى ، كقوله : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (٢). (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (٣).
__________________
(١) الواقعة : ٧٥ ـ ٧٦.
(٢) الأحزاب : ٥٢.
(٣) النساء : ٨٥.