عليم وصانع حكيم.
(وَالَّذِي قَدَّرَ) قدّر أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها وأفعالها وآجالها.
وقرأ الكسائي : قدر بالتخفيف. (فَهَدى) فوجّهه إلى أفعاله طبعا أو اختيارا ، بخلق الميول والإلهامات ، فعرّفه وجه الانتفاع به. كما يحكى أنّ الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها الله أنّ مسح العين بورق الرازيانج الغضّ يردّ إليها بصرها ، فربما كانت في برّيّة بينها وبين الريف مسيرة أيّام ، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها ، حتّى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها ، فتحكّ بها عينيها ، وترجع باصرة بإذن الله تعالى.
وإلهامات البهائم والطيور وهو امّ الأرض باب واسع لا يحيط به وصف واصف. ومن ذلك أنّه سبحانه هدى الطفل إلى ثدي أمّه ، وهدى الفرخ حتّى طلب الرزق من أبيه وأمّه ، وسائر الدوابّ والطيور حتّى فزع كلّ منهم إلى أمّه. وما صدر من النحل من صنعة البيوت المسدّسة والمثمّنة وغيرهما من الأشكال ، على وجه يعجز عنه المهندسون العالمون في صنائعهم المحسّنة اللطيفة البديعة العجيبة ، كاف في تأمّل أولي الألباب والأبصار ليهتدوا إلى الله العزيز الحكيم.
وهدايات الله للإنسان من نصب الدلائل وإنزال الآيات ـ إلى ما لا يحدّ من مصالحه ، وما لا يحصر من حوائجه ، في أغذيته وأدويته ، وفي أبواب دنياه ودينه ، فسبحان ربّي الأعلى وبحمده.
(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) أنبت ما ترعاه الحيوانات (فَجَعَلَهُ) بعد خضرته (غُثاءً) يابسا هشيما (أَحْوى) أسود. وقيل : هو حال من المرعى ، أي : أخرجه حال كونه أحوى ، أي : أسود من شدّة خضرته وريّه ، فجعله غثاء ، أي : يابسا بعد حويّه ، أي : شدّة خضرته. فسبحان من دبّر هذا التدبير ، وقدّر هذا التقدير. وقيل : إنّه مثل ضربه الله تعالى لذهاب الدنيا بعد نضارتها.