مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكرّرة إلى أن تحفظه ، ثمّ لا تنساه إلّا أن يشاء الله.
وقيل : الغرض نفي النسيان رأسا ، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سهيمي فيما أملك إلّا فيما شاء الله. ولا يقصد استثناء شيء. وهو من استعمال القلّة في معنى النفي.
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) ما ظهر من أحوالكم وما بطن ، فيعلم ما هو مصلحة لكم في دينكم ومفسدة فيه. أو يعلم جهرك يا محمّد بالقراءة مع جبرئيل ، وما دعاك إليه من مخافة التفلّت والنسيان ، فيعلم ما فيه صلاحك وأمّتك من إبقاء أو إنساء.
(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) معطوف على (سَنُقْرِئُكَ). وقوله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ) اعتراض.
والمعنى : سنوفّقك للطريقة الّتي هي أيسر وأسهل في حفظ الوحي. وقيل : للشريعة السمحة الّتي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذا. وقيل : نوفّقك لعمل الجنّة. ولمّا كان التيسير متضمّنا لمعنى التوفيق قال : «نيسّرك» ، لا : نيسّر لك.
روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم ، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلّا عتوّا وطغيانا. وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يتلظّى حسرة وتلهّفا ، ويزداد جدّا في تذكيرهم وحرصا عليه ، فقيل له : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (١). (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) (٢). ثمّ قيل له : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) وذلك بعد إلزام الحجّة بتكرير التذكير.
وقيل : ظاهر الآية شرط ، ومعناه ذمّ للمذكّرين ، وإخبار عن حالهم ، واستبعاد لتأثير الذكرى فيهم ، وتسجيل عليهم بالطبع على قلوبهم ، كما تقول للواعظ : عظ
__________________
(١) ق : ٤٥.
(٢) الزخرف : ٨٩.