(وَالْمُشْرِكِينَ) وعبدة الأصنام (مُنْفَكِّينَ) عمّا كانوا عليه من دينهم. أو الوعد باتّباع الحقّ إذا جاءهم الرسول. ومعنى انفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامه به ، كالعظم إذا انفكّ من مفصله. والمعنى : أنّهم متشبّثون بدينهم لا يتركونه (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) إلّا عند مجيء المبيّن للحقّ. والتاء للمبالغة. أو مجيء المعجزة البيّنة ، وهي القرآن الّذي هو المعجزة.
وقوله : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) بدل من البيّنة بنفسه أو بتقدير مضاف ، وهو الوحي ، وتقديره : وحي رسول من الله. أو مبتدأ (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) خبره.
وعلى البدليّة صفته. والرسول وإن كان أمّيّا ، لكنّه لمّا تلا مثل المسطور في الصحف كان كالتالي لها. وقيل : المراد جبرئيل ، فإنّه التالي للصحف المطهّرة المنتسخة في اللوح. وكون الصحف مطهّرة أنّ الباطل لا يأتيها ، أو أنّها لا يمسّها إلّا المطهّرون.
(فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحقّ.
(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) عمّا كانوا عليه ، بأن تفرّقوا فرقا مختلفة : كافرة ، ومؤمنة ، ومتردّدة بين الكفر والإيمان (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) إلّا وقت مجيء البيّنة. فتفرّقوا ، فمنهم من آمن ، ومنهم من أنكر ، ومنهم من عرف وعاند وأصرّ على الكفر ، ومنهم من تردّد في دينه. والمعنى : وما تفرّقوا عن الحقّ إلّا بعد مجيئه ، فنقضوا ما يعدّون من اجتماع الكلمة والاتّفاق على الحقّ إذا جاءهم الرسول. فيكون كقوله : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (١). وإفراد أهل الكتاب بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدلالة على شناعة حالهم ، وأنّهم لمّا تفرّقوا مع علمهم كان غيرهم أولى بذلك.
(وَما أُمِرُوا) أي : في كتبهم بما فيها (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) أي : إلّا لأجل أن يعبدوا الله (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لا يشركون به (حُنَفاءَ) مائلين عن العقائد الزائغة
__________________
(١) البقرة : ٨٩.