(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْقارِعَةُ) اسم من أسماء القيامة ، لأنّها تقرع القلوب بالفزع ، وتقرع أعداء الله بالعذاب.
ثمّ عظّم شأنها وهوّل أمرها بقوله : (مَا الْقارِعَةُ) أيّ شيء القارعة (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) أي : لا تعلم حقيقة أمرها وكنه وصفها على التفصيل ، وإنّما تعلمها على الإجمال. وقد سبق مزيد البحث فيها في الحاقّة (١).
ثمّ بيّن سبحانه أنّها متى تكون ، فقال : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) نصب بمضمر دلّت عليه القارعة ، أي : تقرع يوم يكون الناس (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) في كثرتهم وذلّتهم وحقارتهم وانتشارهم واضطرابهم ، لفزعهم عند البعث ، فيختلفون في المقاصد على جهات مختلفة. وهذا مثل قوله : (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (٢). وسمّي الفراش فراشا لتفرّشه وانتشاره على أنحاء مختلفة.
(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) كالصوف المصبغ ألوانا ، لأنّها ألوان (الْمَنْفُوشِ) المندوف ، لتفرّق أجزائها وتطايرها في الجوّ.
(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بأن ترجّحت مقادير أنواع حسناته. جمع موزون ، وهو العمل الّذي له وزن وخطر عند الله. أو جمع ميزان. وثقلها : رجحانها. (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ذات رضا ، أي : مرضيّة.
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن لم يكن له حسنة يعبأ بها ، أو ترجّحت سيّئاته على حسناته. والقول في تحقيق الوزن والميزان والاختلاف في ذلك قد مرّ في الأعراف (٣). (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) فمأواه النار. وهي مأخوذة من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة : هوت أمّه ، لأنّه إذا هوى ـ أي : سقط وهلك ـ فقد هوت أمّه ثكلا
__________________
(١) راجع ص ١٥٨.
(٢) القمر : ٧.
(٣) راجع ج ٢ ص ٤٩٦ ، ذيل الآية ٩ من سورة الأعراف.