ومكاسبهم آخر النهار. وقال عليهالسلام : «أفضل الأعمال أحمزها».
أو بوقت العشيّ ، وهو الطرف الأخير من النهار ، لما في ذلك من الدلالة على وحدانيّة الله تعالى بإدبار النهار وإقبال الليل ، وذهاب سلطان الشمس ، كما أقسم بالضحى ، وهو الطرف الأوّل من النهار ، لما فيه من حدوث سلطان الشمس وإقبال النهار ، وأهل الملّتين يعظّمون هذين الوقتين.
أو بعصر النبوّة ، أو بالدهر ، لاشتماله على أصناف الأعاجيب ، وللتعريض بنفي ما يضاف إليه من الخسران.
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) إنّ الناس لفي خسران في مساعيهم ، وصرف أعمارهم في معايشهم. والتعريف للجنس. والتنكير للتعظيم والتكثير.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنّهم اشتروا الآخرة بالدنيا ، فربحوا وفازوا بالحياة الأبديّة والسعادة السرمديّة ، بخلاف من عداهم ، فإنّهم بالتجارة الدنيويّة الفانية وقعوا في الخسارة والشقاوة.
(وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) بالأمر الثابت الّذي لا يصحّ إنكاره ، من اعتقاد أو عمل عقلا ونقلا. وهو كتوحيد الله وطاعته ، واتّباع كتبه ورسله ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة.
(وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) عن المعاصي ، أو على الحقّ ، أو على ما يبلو الله به عباده. وهذا من عطف الخاصّ على العامّ للمبالغة ، إلّا أن يخصّ العمل بما يكون مقصورا على كماله. ولعلّه سبحانه إنّما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود ، وإشعارا بأنّ ما عدا ما عدّ يؤدّي إلى خسر وخفض حظّ ، أو تكرّما ، فإنّ الإبهام في جانب الخسر كرم.
وفي هذه السورة أعظم دلالة على إعجاز القرآن. ألا ترى أنّها مع قلّة حروفها تدلّ على جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين علما وعملا. وفي وجوب التواصي بالحقّ والصبر إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعاء إلى التوحيد والعدل ، وأداء الواجبات ، والاجتناب عن المقبّحات.