فوجّهوه إلى مكّة ، فكانوا كلّما وجّهوه إلى الحرم برك (١) ، فضربوه فتمرّغ ولم يبرح.
ثمّ إنّهم أقبلوا على الفيل فقالوا : لك الله أن لا نوجّهك إلى مكّة. فانبعث ، فوجّهوه إلى اليمن راجعا ، فتوجّه يهرول ، فعطفوه حين رأوه منطلقا حتّى إذا ردّوه إلى مكانه الأوّل ربض (٢) ، فلمّا رأوا ذلك عادوا إلى القسم. فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتّى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة من جانب اليمن. فالتفت إليها عبد المطّلب وهو يدعو عليهم ، فقال : والله إنّها لطير غريبة ، ما هي بنجديّة ولا تهاميّة. فجعلت ترميهم ، وكلّ طائر في منقاره حجر ، وفي رجليه حجران ، وإذا رمت بذلك مضت وطلعت اخرى ، فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلّا خرقه ، ولا عظم إلّا أوهاه وثقبه.
وثاب (٣) أبو يكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجارة ، فجعل كلّما قدم أرضا انقطع له فيها إرب (٤) ، حتّى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شيء إلّا أباده. فلمّا قدمها تصدّع صدره وانشقّ بطنه ، فهلك. ولم يصب من خثعم والأشعرين أحد.
قال : وكان عبد المطّلب يرتجز ويدعو على الحبشة ، يقول :
يا ربّ لا أرجو لهم سواكا |
|
يا ربّ فامنع منهم حماكا |
إنّ عدوّ البيت من عاداكا |
|
إنّهم لن يقهروا قواكا |
قال : ولم تصب تلك الحجارة أحدا إلّا هلك.
وروى العيّاشي بإسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أرسل
__________________
(١) برك البعير استناخ ، وهو : أن يلصق صدره بالأرض. تمرّغ الحيوان : رشّ اللعاب من فيه.
وتمرّغ في التراب : تقلّب.
(٢) ربضت الدابّة : بمعنى : بركت الإبل.
(٣) ثاب ثوبا : عاد.
(٤) الإرب : العضو. وجمعه : آراب.