بحريّة ، تحمل في مناقيرها وأكفّها الحجارة.
وروي : أنّ عبد المطّلب قبل ظهور الطيور عرض على أبرهة ثلث أموال تهامة ليرجع ، فأبى ، فلمّا استأصلوا بحجارة الطيور احتوت أهل مكّة على أموالهم ، وجمع عبد المطّلب من جواهرهم وذهبهم الجورّ (١) ـ أي : المال الكثير استعارة ـ وكان سبب يساره.
وعن أبي سعيد الخدري أنّه سئل عن الطير ، فقال : حمام مكّة منها. وقيل : جاءت عشيّة ثمّ صبّحتهم.
وعن عكرمة : من أصابته جدّرته. وهو أوّل جدريّ ظهر.
وحكى الله سبحانه هذه القصّة إجمالا ، تنبيها لقريش ، وتهديدا لهم ، فقال : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) في تعطيل الكعبة وتخريبها (فِي تَضْلِيلٍ) في تضييع وإبطال.
يقال : ضلّل كيده إذا جعله ضالّا ضائعا. ونحوه قوله تعالى : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (٢). وقيل لامرئ القيس : الملك الضليل ، لأنّه ضلّل ملك أبيه ، أي : ضيّعه.
يعني : أنّهم كادوا البيت أوّلا ببناء القلّيس ، وأرادوا أن ينسخوا أمره بصرف وجوه الحاجّ إليه ، فضلّل كيدهم بإيقاع الحريق فيه ، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه ، فضلّل بإرسال الطير عليهم ، كما قال :
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) جماعات. جمع إبالة ، وهي الحزمة الكبيرة. شبّهت بها الجماعة من الطير في تضامّها. وقيل : لا واحد لها ، كعباديد (٣) وشماطيط.
(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) من طين مطبوخ متحجّر ، كما يطبخ الآجرّ. معرّب سنك كل. وقيل : من السّجل ، وهو الدلو الكبير. أو الإسجال ، وهو الإرسال.
__________________
(١) الجورّ : الكثير الّذي جاوز الحدّ والعادة.
(٢) غافر : ٢٥.
(٣) العباديد والشماطيط : الفرق من الناس.