«لن» تأكيد فيما ينفيه «لا». وقال الخليل في «لن» إنّ أصله : لا أن. فالمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه منّي من عبادة آلهتكم.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) فاعلون العبادة (ما أَعْبُدُ) ما أطلب منكم من عبادة إلهي ، أي : فيما يستقبل ، لأنّه في قران «لا أعبد».
(وَلا أَنا عابِدٌ) وما كنت قطّ عابدا فيما سلف (ما عَبَدْتُّمْ) يعني : لم تعهد منّي عبادة صنم في الجاهليّة ، فكيف ترجى منّي عند فشوّ الإسلام؟! (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) وما أنتم عبدتم في وقت مّا (ما أَعْبُدُ) ما أنا على عبادته. ويجوز أن تكونا تأكيدين على طريقة أبلغ. وإنّما لم يقل : ما عبدت ، ليطابق «ما عبدتم» لأنّهم كانوا موسومين قبل المبعث بعبادة الأصنام ، وهو لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله. وإنّما قال «ما» دون «من» لأنّ المراد الصفة ، كأنّه قال : لا أعبد الباطل ، ولا تعبدون الحقّ. أو للمطابقة ، فإنّ معبودهم من غير ذوي العقول.
وقيل : إنّها مصدريّة ، أي : لا أعبد عبادتكم ، ولا تعبدون عبادتي. وقيل : الأوليان بمعنى الّذي ، والأخريان مصدريّتان.
(لَكُمْ دِينُكُمْ) الّذي أنتم عليه لا تتركونه ، من الإشراك (وَلِيَ دِينِ) الّذي أنا عليه من التوحيد ، لا أرفضه. يعني : أنّي نبيّ مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحقّ والنجاة ، فإن لم تقبلوا منّي ولم تتّبعوني فاتركوني على ما أنا فيه من التوحيد ، ولا تدعوني إلى الشرك. فليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ، ليكون منسوخا بآية (١) القتال. اللهمّ إلّا إذا فسّر بالمتاركة وتقرير كلّ من الفريقين الآخر على دينه. وقد فسّر الدين بالحساب والجزاء والدعاء والعبادة. وقرأ نافع وحفص وهشام بفتح الياء.
روي : أنّه لمّا نزلت هذه السورة غدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المسجد الحرام ، وفيه الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم ، فأيسوا.
__________________
(١) التوبة : ٥ و٢٩.