(فَأَتاهُمُ اللهُ) أي : عذابه. وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء. وقيل : الضمير للمؤمنين ، أي : فأتاهم نصر الله. (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) لم يظنّوا ولم يخطر ببالهم ، وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرّة (١) وغيلة على يد أخيه. وذلك ممّا أضعف قوّتهم ، وفلّ من شوكتهم ، وثبّط المنافقين الّذين كانوا يتولّونهم عن مظاهرتهم ، وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب ، وألهمهم أن يوافقوا المؤمنين في تخريب بيوتهم ، ويعينوا على أنفسهم ، كما قال عزّ اسمه :
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) وأثبت فيها الخوف الّذي يرعبها ، أي : يملؤها (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) ضنّا (٢) بها على المسلمين ، واحتياجا لهم إلى الخشب والحجارة ليسدّوا بها أفواه الأزقّة ، وإخراجا لما استحسنوا من آلاتها (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) فإنّهم أيضا كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعا لمجال القتال ، فلا يبقى لهم بالمدينة دار ، ولا منهم ديار. وعطفها على «أيديهم» من حيث إنّ تخريب المؤمنين مسبّب عن نقضهم ، فكأنّهم استعملوا المؤمنين في التخريب. والجملة حال ، أو تفسير للرعب. وقرأ أبو عمرو : يخرّبون بالتشديد. وهو أبلغ ، لما فيه من التكثير. وقيل : الإخراب : التعطيل ، أو ترك الشيء خرابا. والتخريب : الهدم.
(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) فاتّعظوا بما دبّر الله ويسّر من أمر إخراجهم ، وتسليط المسلمين عليهم من غير قتال ، فلا تعتمدوا على غير الله.
وفيه دليل على أنّ القياس المنصوص العلّة حجّة لا مطلقا ، من حيث إنّه أمر بالمجاوزة من حال إلى حال ، مثلها في اشتراك العلّة ، فحملها عليها في الحكم لما بينهما من العلّة المشتركة المقتضية له.
وقيل : وعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المسلمين أن يورثهم الله أرضهم وأموالهم بغير
__________________
(١) أي : غفلة.
(٢) ضنّ بالشيء : بخل.