لحقوا بخيبر ، ولحقت طائفة بالحيرة. فنزلت فيهم :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مرّ تفسيره.
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني : يهود بني النضير (مِنْ دِيارِهِمْ) بأن سلّط الله المؤمنين عليهم ، وأمر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بإخراجهم من منازلهم وحصونهم (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) متعلّق بـ «أخرج». وهي اللام في قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (١). وقولك : جئته لوقت كذا. والمعنى : أخرج الّذين كفروا في أوّل حشرهم من جزيرة العرب ، إذ لم يصبهم هذا الذلّ قبل ذلك. أو في أوّل إجلائهم إلى الشام ، وآخر حشرهم إجلاء عمر إيّاهم من خيبر إلى الشام. أو أوّل حشر الناس إلى الشام ، وآخر حشرهم أنّهم يحشرون إليه عند قيام الساعة ، فيدركهم هناك. أو أنّ نارا تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب ، فهذا هو الحشر الثاني. وعن عكرمة : من شكّ أنّ المحشر هاهنا ـ يعني : الشام ـ فليقرأ هذه الآية.
وقيل : معناه : أخرجهم من ديارهم لأوّل ما حشر لقتالهم ، لأنّه أوّل قتال قاتلهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. والحشر : إخراج جمع من مكان إلى آخر.
(ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) لشدّة بأسهم ومنعتهم ، ووثاقة حصونهم ، وكثرة عددهم وعدّتهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أي : أنّ حصونهم تمنعهم من بأس الله. وفي تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إيّاهم. وفي تصيير ضميرهم اسما لـ «أنّ» ، وإسناد الجملة إليه ، دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنّهم في عزّة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرّض لهم ، أو يطمع في معازّتهم (٢). وليس ذلك في قولك : وظنّوا أنّ حصونهم تمنعهم. ولذلك غيّر النظر؟
__________________
(١) الفجر : ٢٤.
(٢) عازّه معازّة : عارضه في العزّة.