قال : أنا محمد بن مسلمة أخوك ، جئتك أستقرض منك دراهم ، فإنّ محمدا يسألنا الصدقة ، وليس معنا الدراهم.
فقال كعب : لا أقرضك إلّا بالرهن.
قال : معي رهن ، انزل فخذه.
وكانت له امرأة بنى بها تلك الليلة عروسا ، فقالت : لا أدعك تنزل ، لأنّي ارى حمرة الدم في ذلك الصوت. فلم يلتفت إليها ، فخرج فعانقه محمّد بن مسلمة وهما يتحادثان ، حتّى تباعدا من القصر إلى الصحراء. ثمّ أخذ رأسه ودعا بقومه. وصاح كعب ، فسمعت امرأته وصاحت ، وسمع بنو النضير صوتها ، فخرجوا نحوه فوجدوه قتيلا. ورجع القوم سالمين إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فلمّا أسفر الصبح أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه بقتل كعب ، ففرحوا. فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحربهم ، والسير إليهم. فسار بالناس حتّى نزل بهم ، فتحصّنوا منه في الحصن.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم : اخرجوا من أرض المدينة.
فقالوا : الموت أحبّ إلينا من ذاك.
فتنادوا بالحرب.
وقيل : استمهلوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عشرة أيّام ليتجهّزوا للخروج. فدسّ عبد الله بن أبيّ المنافق أصحابه إليهم : لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ، ولئن خرجتم لنخرجنّ معكم. فدربوا (١) على الأزقّة وحصّنوها. فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة. فلمّا قذف الله الرعب في قلوبهم ، وأيسوا من نصر المنافقين ، طلبوا الصلح. فأبى عليهم إلّا الجلاء ، على أن يحمل كلّ ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم. فجلوا إلى الشام ، إلى أريحا وأذرعات ، إلّا أهل بيتين منهم : آل أبي الحقيق وآل حييّ بن أخطب ، فإنّهم
__________________
(١) أي : ضيّقوا أفواهها بالخشب والحجارة.