يراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر ، ثمّ تحيض عنده حيضة اخرى ، ثمّ يمهلها حتّى تطهر من حيضتها ، فإن أراد أن يطلّقها فليطلّقها حين تطهر من قبل أن يجامعها ، فتلك العدّة الّتي أمر الله أن يطلّق لها النساء» (١).
واحتجّ الفقهاء من الجمهور على وقوع طلاق الحائض وإن كان حراما بهذين الحديثين ، من حيث قوله : «مره فليراجعها» في الأوّل ، وفي الثاني أمر أن يراجعها ، والمراجعة تدلّ على وقوع الطلاق.
وفيه نظر ، فإنّه لا دلالة في ذلك ، لأنّه كما يحتمل الأمر بالمراجعة وقوع الطلاق ، يحتمل أيضا أن يراد بالمراجعة التمسّك بمقتضى العقد وبقاء الزوجيّة ، فإنّ من طلّق طلاقا فاسدا وظنّ أنّه واقع فاعتزل زوجته صحّ أن يقال له : راجعها.
فيكون المراد حينئذ المراجعة اللغويّة لا الاصطلاحيّة ، يعني : بعد الطلاق. ومن عدّ العدّة بالحيض ـ كما هو مذهب الحنفيّة ـ علّق اللام بمحذوف ، مثل : مستقبلات لعدّتهنّ ، أي : قبل عدّتهنّ ، كقولك : أتيته لثلاث بقيت من المحرّم ، أي : مستقبلا لها.
(وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) واضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء. وإنّما أمر بإحصاء العدّة لمراعاة حقّ المطلّقة فيها كالنفقة والسكنى ، ومراعاة حقّ الزوج ، كالرجعة ومنعها من الزواج.
واعلم أنّ عموم الأمر بالطلاق مخصوص بأمرين : أحدهما غير المدخول بها. وثانيهما : الغائب عنها زوجها غيبة يعلم انتقالها من طهر إلى آخر ، أو خرج عنها في طهر لم يقربها فيه بجماع ، فإنّ هاتين يصحّ طلاقهما من غير تحريم ، وعلى ذلك إجماع أصحابنا وتظافر أخبارهم. وبواقي أحكام الطلاق وأنواعه مذكورة في كتب الفقه.
(وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) في تطويل العدّة والإضرار بهنّ ، وغير ذلك من مخالفة
__________________
(١) صحيح البخاري ٧ : ٥٢ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٩٣ ح ١.