وقال أكثر المفسّرين والسيّد المرتضى رحمهالله : إنّ الارتياب في وجوب العدّة لا في السنّ ، كأنّه قيل : إن أشكل عليكم حكمهنّ وجهلتم كيف تعتدون. وإنّ المراد باللائي لم يحضن ، أي : لم يبلغن سنّ الحيض ، عدّتهنّ ثلاثة أشهر. واحتجّوا بوجهين :
الأوّل : سبب النزول ، وهو أنّ أبيّ بن كعب قال : يا رسول الله إنّ عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب : الصغار والكبار وأولات الأحمال. فنزلت.
والثاني : أنّه لو أراد ما ذكر الأصحاب من الشكّ في ارتفاع الحيض لقال : إن ارتبتنّ ، لأنّ المرجع في الحيض إليهنّ.
والجواب عن الأوّل : أنّه لو كان المراد ما ذكروه لقال : إن جهلتم ، ولم يقل : إن ارتبتم ، لأنّ سبب النزول كما ذكر يوجب ذلك ، لأنّ ابيّا لم يشكّ في عدّتهنّ ، بل جهل.
وعن الثاني : أنّه إنّما أتى بالضمير مذكّرا لكون الخطاب مع الرجال بقوله :
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ). ولأنّ النساء يرجعن في تعرّف أحكامهنّ إلى رجالهنّ وإلى العلماء ، فكان الخطاب لهم لا للنساء ، لأنّهنّ يأخذن العلم منهم.
(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) أي : منتهى عدّتهنّ (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) أي : مدّة وضع الحمل ، فإنّ «أن» والفعل في تقدير المصدر. وهذا لا خلاف أنّه في الطلاق.
وهل هو كذلك في الوفاة؟ بمعنى أنّه لو تقدّم الوضع على الأربعة أشهر وعشرا تكون العدّة منقضية لذلك أم لا؟ قال أصحابنا : لا ، بل عدّتها أبعد الأجلين. وهو قول عليّ عليهالسلام وابن عبّاس. وقال الفقهاء الأربعة والأوزاعي بالأوّل ، محتجّين بعموم الآية.
احتجّ أصحابنا بدخولها في عموم قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) (١). فقد دخلت تحت عامّين ، ولا وجه للجمع بينهما إلّا بالقول بأبعد
__________________
(١) البقرة : ٢٣٤.