واعلم أنّ الصلة والصفة حقهما أن تكونا موجودتين في حال الفعل الذي تتذكره ؛ لأن الشيء إنما يوصف بما فيه فإذا وصفته بفعل أو وصلته فالأولى به أن يكون حاضرا كالاسم ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل (قائم) فهو في وقت مرورك في حال قيام ، وإذا قلت : (هذا رجل قام أمس) فكأنك قلت : (هذا رجل معلوم) أي : (أعلمه) الساعة أنه قام أمس ولأنك محقق ومخبر عما تعلمه في وقت حديثك وكذلك إذا قلت : (هذا رجل يقوم غدا) فإنما المعنى : (هذا رجل معلوم الساعة أنّه يقوم غدا) وعلى هذا أجازوا : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا فنصبوا (صائدا) على الحال ؛ لأن التأويل (مقدرا الصيد به غدا) ، فإن لم يتأول ذلك فالكلام محال وكل موصوف فإنما ينفصل من غيره بصفة لزمته في وقته وكذلك الصلة إذا قلت : (الذي قام أمس والذي يقوم غدا) ، فإن وصلت (الذي) بالفعل المقسم عليه نحو قولك : (ليقومنّ) لم تحتج إليه ؛ لأن القسم إنما يدخل على ما يؤكد إذا خيف ضعف علم المخاطب بما يقسم عليه والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان وبابها : أن يكون خبرا خالصا لا يخلطه معنى قسم ولا غيره ، فإن وصل به فهو عندي جائز ؛ لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبرا ، وأما إنّ وأخواتها فحكم (إنّ) من بين أخواتها حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة فالكلام غير محتاج إليها ، وإن ذكرتها جاز فقلت : (الذي إنّ أباه منطلق أخوك) وفي (إنّ) ما ليس في الفعل المقسم عليه ؛ لأن خبر (إنّ) قد يكون حاضرا وهو بابها وفعل القسم ليس كذلك إنما يكون ماضيا أو مستقبلا فحكمه حكم الفعل الماضي والمستقبل إذا وصف به و (ليت ولعلّ) لا يجوز أن يوصل بهما لأنهما غير أخبار ولا يجوز أن يقال فيهما صدق ولا كذب و (لكنّ) لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصف لأنهما لا تكون إلا بعد كلام.
وأما (كأنّ) فجائز أن يوصل بها ويوصف بها وهي أحسن من (إنّ) من أجل كاف التشبيه تقول : (الذي كأنّه الأسد أخوك ومررت بالذي كأنّه الأسد) ؛ لأنه في معنى قولك :مثل الأسد واعلم أنّه لا يجوز أن تقدم الصلة على الموصول ولا تفرق بين الصلة والموصول بالخبر ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدل وما أشبه ذلك.